مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن الموصلی d. 774 AH
45

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

پژوهشگر

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

محل انتشار

القاهرة - مصر

ژانرها

نَعِيمَ إِلَّا بِأَنْ يَعْرِفُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ، وَيَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ غَايَةَ مَطْلُوبِهِمْ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَيْهِ قُرَّةَ عُيُونِهِمْ، فَمَتَى فَقَدُوا ذَلِكَ كَانُوا أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْأَنْعَامِ، وَكَانَتِ الْأَنْعَامُ أَطْيَبَ عَيْشًا مِنْهُمْ فِي الْعَاجِلِ وَأَسْلَمَ عَاقِبَةً فِي الْآجِلِ. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ ضَرُورَةَ الْعَبْدِ إِلَى مَعْرِفَةِ رَبِّهِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ كَانَتِ الْعِنَايَةُ بِبَيَانِهَا أَيْسَرَ الطُّرُقِ وَأَهْدَاهَا وَأَبْيَنَهَا، وَإِذَا سُلِّطَ التَّأْوِيلُ عَلَى النُّصُوصِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا فَتَسْلِيطُهُ عَلَى النُّصُوصِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ أَقْرَبُ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ لِعِبَادِهِ مِنْ صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ وَشَأْنِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ عُشْرَ مِعْشَارِ مَا ذَكَرَ لَهُمْ مِنْ نُعُوتِ جَلَالِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ قَابِلَةً لِلتَّأْوِيلِ فَالْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْمَلَائِكَةَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَهَا الْمَلَاحِدَةُ كَمَا تَأَوَّلُوا نُصُوصَ الْمَعَادِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَبْدَوْا لَهَا تَأْوِيلَاتٍ لَيْسَتْ بِدُونِ تَأْوِيلَاتٍ الْجَهْمِيَّةِ لِنُصُوصِ الصِّفَاتِ، وَأَوَّلَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ عَامَّةَ نُصُوصِ الْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ، وَقَالُوا لِلْجَهْمِيَّةِ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ حَاكِمُ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ، بَلِ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مَمْلُوءَةٌ بِذِكْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَيَتَكَلَّمُ وَأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالصِّفَاتِ وَأَنَّ لَهُ أَفْعَالًا تَقُومُ بِهِ وَهُوَ بِهَا فَاعِلٌ وَأَنَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا الَّتِي إِذَا قِيسَ إِلَيْهَا نُصُوصُ حَشْرِ هَذِهِ الْأَجْسَادِ وَخَرَابِ هَذَا الْعَالَمِ وَإِعْدَامِهِ لِإِنْشَاءِ عَالَمٍ آخَرَ، وُجِدَتْ نُصُوصُ الصِّفَاتِ أَضْعَافَ أَضْعَافِهَا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى عُلُوِّ الرَّبِّ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ تُقَارِبُ الْأُلُوفَ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهَا الرُّسُلُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَمَا الَّذِي سَوَّغَ لَكُمْ تَأْوِيلَهَا وَحَرَّمَ عَلَيْنَا تَأْوِيلَ نُصُوصِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَخَرَابِ الْعَالَمِ؟ فَإِنْ قُلْتُمُ: الرُّسُلُ أَجْمَعُوا عَلَى الْمَجِيءِ بِهِ، فَلَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ، قِيلَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ اسْتَوَى فَوْقَ عَرْشِهِ وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَمُتَكَلِّمٌ وَأَنَّهُ فَاعِلٌ حَقِيقَةً مَوْصُوفٌ بِالصِّفَاتِ، فَإِنْ مُنِعَ إِجْمَاعُهُمْ هُنَاكَ مِنَ التَّأْوِيلِ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ هُنَا. فَإِنْ قُلْتُمْ: أَوْجَبَ تَأْوِيلَ نُصُوصِ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَلَمْ يُوجِبْ تَأْوِيلَ نُصُوصِ الْمَعَادِ، قُلْنَا: هَاتُوا أَدِلَّةَ الْعُقُولِ الَّتِي بِهَا الصِّفَاتُ، وَنُحْضِرُ أَدِلَّةَ الْعُقُولِ الَّتِي بِهَا الْمَعَادُ وَحَشْرُ الْأَجْسَادِ، وَنُوَازِنُ بَيْنَهَا لِيَتَبَيَّنَ أَيُّهَا أَقْوَى. فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنْكَارُ الْمَعَادِ تَكْذِيبٌ لِمَا عُلِمَ مِنَ الْإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ، قُلْنَا: أَيْضًا إِنْكَارُ صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ، وَأَنَّهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ تَكْذِيبٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُمْ جَاءُوا بِهِ ضَرُورَةً.

1 / 59