مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
پژوهشگر
سيد إبراهيم
ناشر
دار الحديث
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
محل انتشار
القاهرة - مصر
ژانرها
قَالَ الْمُنْكِرُونَ: الْإِنْسَانُ يَرَى صُورَتَهُ فِي الْمِرْآةِ وَلَيْسَتْ صُورَتُهُ فِي جِهَةٍ مِنْهَا.
قَالَ الْعُقَلَاءُ: هَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَرَى خَيَالَ صُورَتِهِ، وَهُوَ عَرَضٌ مُنْطَبِعٌ فِي الْجِسْمِ الصَّقِيلِ، هُوَ فِي جِهَةٍ مِنْهُ، وَلَا يَرَى حَقِيقَةَ صُورَتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: يَرَى مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ وَلَا يَرَى حَقِيقَةَ صُورَتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: يَرَى مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ وَلَا مُبَايَنَةٍ قَالُوا: الصَّحِيحُ الرُّؤْيَةُ فِي الْوُجُودِ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ يَصِحُّ أَنْ يَرَى، فَالْتَزَمُوا رُؤْيَةَ الْأَصْوَاتِ وَالرَّوَائِحِ وَالْعُلُومِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْمَعَانِي كُلِّهَا، وَجِوَازِ أَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَشَمِّهَا وَلَمْسِهَا، فَهَذَا مُنْتَهَى عُقُولِهِمْ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: إِنَّ مَنِ ادَّعَى مُعَارَضَةَ الْوَحْيِ بِعَقْلِهِ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ ﷾ مَنْ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ: أَحَدُهَا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١]، الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ - مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٧٣ - ٧٤]، الثَّالِثُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدُرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ أَنْكَرَ إِرْسَالَهُ لِلرُّسُلِ، وَإِنْزَالَهُ الْكُتُبَ عَلَيْهِمْ ; فَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ كَلَامٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إِنْكَارٌ لِكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ وَحَقِيقَةِ إِلَهِيَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَلَمْ يَقْدُرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ عَبَدَ إِلَهًا غَيْرَهُ، وَلَمْ يَقْدُرْهُ مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ كَمَالَهُ.
وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، فَحَقِيقَةُ قَوْلِ النُّفَاةِ الْمُعَطِّلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلِيٌّ وَلَا عَظِيمٌ ; فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ عُلُوَّهُ وَعَظَمَتَهُ إِلَى مُجَرَّدِ أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ، كَمَا يُقَالُ: الذَّهَبُ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا: مَعْنَاهُ عَلِيُّ الْقَدْرِ عَظِيمُ الْقَدْرِ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَيُقَالُ لَهُمْ: أَتُرِيدُونَ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ عَلِيُّ الذَّاتِ عَظِيمُ الْقَدْرِ، وَأَنَّ لَهُ فِي نَفْسِهِ قَدْرًا عَظِيمًا، أَمْ تُرِيدُونَ أَنَّ عَظَمَتَهُ وَقَدْرَهُ فِي النُّفُوسِ فَقَطْ؟ فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْعَقْلُ، وَإِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ عَظِيمَ الْقَدْرِ فَهُوَ فِي
1 / 211