195

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

پژوهشگر

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

محل انتشار

القاهرة - مصر

ژانرها

ذَاتِهِ تَعَيُّنُ تِلْكَ الذَّاتِ ; وَمِنْ تَعَيُّنِهَا مُبَايَنَتُهَا لِلْمَخْلُوقَاتِ، وَمِنَ الْمُبَايَنَةِ العُلُوُّ عَلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَصَحَّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَبِالنَّقْلِ وَالْفِطْرَةِ، وَلَزِمَ مِنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى صِحَّةُ الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَمْكَنَ مُبَايَنَتُهُ لِلْعَالَمِ وَعُلُوُّهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إِمْكَانُ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَوْنُهُ إِلَهًا لِلْعَالَمِ.
[فصل رؤية الرب إمكانها بالعقل وإثباتها بالشرع]
فَصْلٌ: ثَبَتَ بِالْفِعْلِ إِمْكَانُ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى، وَبِالشَّرْعِ وُقُوعُهَا فِي الْآخِرَةِ، فَاتَّفَقَ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ عَلَى إِمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَوُقُوعِهَا، فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِمَوْجُودٍ، وَمَا كَانَ أَكْمَلُ وُجُودًا كَانَ أَحَقَّ أَنْ يُرَى، فَالْبَارِي سُبْحَانَهُ أَحَقُّ أَنْ يُرَى مَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّ وُجُودَهُ أَكْمَلُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ سِوَاهُ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّ تَعَذُّرَ الرُّؤْيَةِ إِمَّا لِخَفَاءِ الْمَرْئِيِّ، وَإِمَّا لِآفَةٍ وَضَعْفٍ فِي الرَّائِي ; وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ أَشْهَرُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَتْ رُؤْيَتُهُ فِي الدُّنْيَا لِضَعْفِ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ الرَّائِي فِي دَارِ الْبَقَاءِ كَانَتْ قُوَّةُ الْبَصَرِ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ لِأَنَّهَا دَائِمَةٌ، فَقَوِيَتْ عَلَى رُؤْيَتِهِ تَعَالَى، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى، فَالرُّؤْيَةُ الْمَعْقُولَةُ لَهُ عِنْدَ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ وَتُرْكِهِمْ وَسَائِرِ طَوَائِفِهِمْ، أَنْ يَكُونَ الْمَرْئِيُّ مُقَابِلًا لِلرَّائِي مُوَاجِهًا لَهُ بَائِنًا عَنْهُ، لَا تَعْقِلُ الْأُمَمُ رُؤْيَةً غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتِ الرُّؤْيَةُ مُسْتَلْزِمَةً لِمُوَاجَهَةِ الرَّائِي وَمُبَايَنَةِ الْمَرْئِيِّ لَزِمَ ضَرُورَةَ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا لَهُ مَنْ فَوْقَهُ أَوْ مِنْ تَحْتِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ خَلْفِهِ أَوْ أَمَامَهُ، وَقَدْ دَلَّ النَّقْلُ الصَّرِيحُ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَوْقِهِمْ، لَا مِنْ تَحْتِهِمْ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَإِذَا الْجَبَّارُ ﷻ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] ثُمَّ يَتَوَارَى عَنْهُمْ وَتَبْقَى رَحْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ» " فَلَا يَجْتَمِعُ لِلْإِقْرَارِ بِالرُّؤْيَةِ وَإِنْكَارِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُبَايَنَةِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ الْمَغُولَ تُنْكِرُ عُلُوَّهُ عَلَى خَلْقِهِ وَرُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ; وَمَخَانِيثُهُمْ يُقِرُّونَ بِالرُّؤْيَةِ وَيُنْكِرُونَ الْعُلُوَّ، وَقَدْ ضَحِكَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ مُوَاجَهَةِ الْمَرْئِيِّ وَمُبَايَنَتِهِ، وَهَذَا رَدٌّ لِمَا هُوَ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ.

1 / 210