واما نحو زيد قائم فليس بمفيد للتقوى بل هو قريب من زيد قام في ذلك. وقوله: مع عدم افادة التقوى معناه مع عدم افادة نفس التركيب تقوى الحكم فيخرج ما يفيد التقوى بحسب التكرير نحو عرفت عرفت أو بحرف التأكيد نحو ان زيدا عارف أو تقول ان تقوى الحكم في الاصطلاح هو تأكيده بالطريق المخصوص نحو زيد قائم. فان قلت: المسند قد يكون غير سببي ولا مفيد للتقوى ومع هذا لا يكون مفردا كقولنا انا سعيت في حاجتك ورجل جاءني وما انا فعلت هذا عند قصد التخصيص. قلت: سلمنا انا ليس القصد في هذه الصور إلى التقوى. لكن لا نسلم انها لا تفيد التقوى ضرورة حصول تكرار الاسناد الموجب للتقوى ولو سلم فالمراد ان افراد المسند يكون لاجل هذا المعنى ولا يلزم منه تحقق الافراد في جميع صور تحقق هذا المعنى. ثم السببي والفعلى، من اصطلاحات صاحب المفتاح، حيث سمى في قسم النحو الوصف بحال الشئ نحو رجل كريم وصفا فعليا، والوصف بحال ما هو من سببه نحو رجل كريم ابوه وصفا سببيا، وسمى في علم المعاني المسند في نحو زيد قام مسندا فعليا وفى نحو زيد قام ابوه مسندا سببيا وفسر هما بما لا يخلو عن صعوبة وانغلاق، فلهذا اكتفى المصنف في بيان المسند السببي بالمثال. وقال: (والمراد بالسببى نحو زيد ابوه منطلق) وكذا زيد انطلق ابوه. ويمكن ان يفسر المسند السببي بجملة علقت على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا إليه في تلك الجملة فيخرج عنه المسند في نحو زيد منطلق ابوه لانه مفرد وفي نحو قل هو الله احد لان تعليقها على المبتدأ ليس بعائد وفي نحو زيد قام وزيد هو قائم لان العائد فيهما مسند إليه ودخل فيه نحو زيد ابوه قائم وزيد قام ابوه وزيد مررت به وزيد ضرب عمروا في داره وزيد ضربته ونحو ذلك من الجمل التى وقعت خبر مبتدأ ولا تفيد التقوى. والعمدة في ذلك تتبع كلام السكاكي لانا لم نجد هذا الاصطلاح لمن قبله. (واما كونه) اي المسند (فعلا فللتقييد) اي تقييد المسند (باحد الازمنة الثلاثة) اعني الماضي وهو الزمان الذي قبل زمانك الذي انت فيه والمستقبل وهو الزمان الذي يترقب وجوده بعد هذا الزمان والحال وهو اجزاء من اواخر الماضي واوائل المستقبل متعاقبة من غير مهلة وتراخ وهذا امر عرفي. وذلك لان الفعل دال بصيغته على احد الازمنة الثلاثة من غير احتياج إلى قرينة تدل على ذلك بخلاف الاسم فانه انما يدل عليه بقرينة خارجية كقولنا زيد قائم الان أو امس أو غدا ولهذا قال (على اخصر وجه). ولما كان التجدد لازما للزمان لكونه كما غير قار الذات اي لا يجتمع اجزائه في الوجود والزمان جزء من مفهوم الفعل، كان الفعل مع افادته التقييد باحد الازمنة الثالثة مفيدا للتجدد واليه اشار بقوله (مع افادة التجدد كقوله) اي كقول ظريف بن تميم (أو كلما وردت عكاظ) هو متسوق للعرب كانوا يجتمعون فيه فيتناشدون ويتفاخرون وكانت فيه وقايع (قبيلة بعثوا إلى عريفهم) عريف القوم القيم بامرهم الذي شهر وعرف بذلك (يتوسم) اي يصدر عنه تفرس الوجوه وتأملها شيءا فشيءا ولحظة فلحظة. واما كونه) اي المسند (اسما فلافادة عدمهما) اي عدم التقييد المذكور وافادة التجدد يعني لافادة الدوام والثبوت لاغراض تتعلق بذلك (كقوله لا يألف الدرهم المضروب صرتنا) وهو ما يجتمع فيه الدراهم (لكن يمر عليها وهو منطلق) يعنى ان الانطلاق من الصرة ثابت للدرهم دائما. قال الشيخ عبد القاهر: موضوع الاسم على ان يثبت به الشئ للشئ، من غير اقتضاء انه يتجدد ويحدث شيءا فشيءا، فلا تعرض في زيد منطلق لاكثر من اثبات الانطلاق فعلا لا كما في زيد طويل وعمرو قصير. (واما تقييد الفعل) وما يشبهه من اسم الفاعل والمفعول وغيرهما (بمفعول) مطلق أو به أو فيه أو له أو معه (ونحوه) من الحال والتمييز والاستثناء (فلتربية الفائدة) لان الحكم كلما زاد خصوصا زاد غرابة وكلما زاد غرابة زاد افادة. كما يظهر بالنظر إلى قولنا شئ ما موجود وفلان به فلان حفظ التوراة سنة كذا في بلد كذا ولما استشعر سؤالا وهو ان خبر كان من مشبهات المفعول والتقييد به ليس لتربية الفائدة بدونه اشار إلى جوابه بقوله (والمقيد في نحو كان زيد منطلقا هو منطلقا لا كان) لان منطلقا هو نفس المسند وكان قيد له للدلالة على زمان النسبة كما إذا قلت زيد منطلق في الزمان الماضي. (واما تركه) اي ترك التقييد (فلمانع منها) اي من تربيه الفائدة، مثل خوف انقضاء المدة والفرصة أو ارادة ان لا يطلع الحاضرون على زمان الفعل أو مكانه أو مفعوله أو عدم العلم بالمقيدات أو نحو ذلك. (واما تقييده) اي الفعل (بالشرط)، مثل اكرمك ان تكرمني وان تكرمني اكرمك (فلا عتبارات) شتى وحالات تقتضي تقييده به (لا تعرف الا بمعرفة ما بين ادواته) يعني حروف الشرط واسمائه (من التفصيل وقد بين ذلك) اي التفصيل (في علم النحو). وفي هذا الكلام اشارة إلى ان الشرط في عرف اهل العربية قيد لحكم الجزاء مثل المفعول ونحوه فقولك ان جئتني اكرمك بمنزلة قولك اكرمك وقت مجيئك اياى ولا يخرج الكلام بهذا القيد عما كان عليه من الخبرية والانشائية بل ان كان الجزاء خبرا فالجملة الشرطية خبرية نحو ان جئتني اكرمك وان كان انشائيا فانشائية نحو ان جاءك زيد فأكرمه. واما نفس الشرط، فقد اخرجته الاداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب وما يقال من ان كلا من الشرط والجزاء خارج عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب وانما الخبر هو مجموع الشرط والجزاء المحكوم فيه بلزوم الثاني للاول فانما هو باعتبار المنطقيين فمفهوم قولنا كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود باعتبار اهل العربية الحكم بوجود النهار في كل وقت من اوقات طلوع الشمس فالمحكوم عليه هو النهار والمحكوم به هو الموجود. وباعتبار المنطقيين الحكم بلزوم وجود النهار لطلوع الشمس فالمحكوم عليه طلوع الشمس والمحكوم به وجود النهار فكم من فرق بين الاعتبارين. (ولكن لابد من النظر ههنا في ان وإذا ولو) لان فيها ابحاثا كثيرة لم يتعرض لها في علم النحو (فان وإذا للشرط في الاستقبال لكن اصل ان عدم الجزم بوقوع الشرط) فلا يقع في كلام الله تعالى على الاصل الا حكاية أو على ضرب من التأويل (واصل إذا الجزم) بوقوعه فان وإذا يشتركان في الاستقبال بخلاف لو ويفترقان بالجزم بالوقوع وعدم الجزم به واما عدم الجزم بلا وقوع الشرط فلم يتعرض له لكونه مشتركا بين إذا وان والمقصود بيان وجه الافتراق. (ولذلك) أي ولان اصل ان عدم الجزم بالوقوع (كان) الحكم (النادر) لكونه غير مقطوع به في الغالب (موقعا لان و) لان اصل إذا الجزم بالوقوع (غلب لفظ الماضي) لدلالته على الوقوع قطعا نظرا إلى نفس اللفظ وان نقل ههنا إلى معنى الاستقبال (مع إذا نحو فإذا جاءتهم) أي قوم موسى (الحسنة) كالخصب والرخاء (قالوا لنا هذه) أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها (وان تصبهم سيئة) أي جدب وبلاء (يطيروا) أي يتشأموا (بموسى ومن معه) من المؤمنين جئ في جانب الحسنة بلفظ الماضي مع إذا (لان المراد بالحسنة الحسنة المطلقة) التى حصولها مقطوع به. (ولهذا عرفت) الحسنة (تعريف الجنس) أي الحقيقة لان وقوع الجنس كالواجب لكثرته واتساعه لتحققه في كل نوع بخلاف النوع وجئ في جانب السيئة بلفظ المضارع مع ان لما ذكره بقوله (والسيئة نادرة بالنسبة إليها) أي إلى الحسنة المطلقة (ولهذا نكرت) السيئة ليدل على التقليل (وقد تستعمل ان في) مقام (الجزم) بوقوع الشرط (تجاهلا)، كما إذا سئل العبد عن سيده هل هو في الدار وهو يعلم انه فيها، فيقول: ان كان فيها اخبرك يتجاهل خوفا من السيد (أو لعدم جزم المخاطب) بوقوع الشرط فيجرى الكلام على سنن اعتقاده (كقولك لمن يكذبك ان صدقت فماذا تفعل) مع علمك بانك صادق. (أو تنزيله) أي لتنزيل المخاطب العالم بوقوع الشرط (منزلة الجاهل لمخالفته مقتضى العلم) كقولك لمن يؤذى اباه ان كان اباك فلا تؤذه. (أو التوبيخ) أي لتعيير المخاطب على الشرط (وتصوير ان المقام لاشتماله على ما يقلع الشرط عن اصله لا يصلح الا لفرضه) أي فرض الشرط (كما يفرض المحال) لغرض من الاغراض (نحو افنضرب عنكم الذكر) أي انهملكم فنضرب عنكم القرآن. وما فيه من الامر والنهى والوعد والوعيد (صفحا) أي اعراضا أو للاعراض أو معرضين (ان كنتم قوما مسرفين فيمن قرأ ان بالكسر) فكونهم مسرفين امر مقطوع به لكن جئ بلفظ ان لقصد التوبيخ. وتصوير ان الاسراف من العاقل في هذا المقام يجب ان لا يكون الا على سبيل الفرض والتقدير كالمحالات لاشتمال المقام على الايات الدالة على ان الاسراف مما لا ينبغي ان يصدر عن العاقل اصلا فهو بمنزلة المحال وان كان مقطوعا، بعدم وقوعه لكنهم يستعملون فيه ان لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة وارخاء العنان لقصد التبكيت كما في قوله تعالى قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين. (أو تغليب غير المتصف به) أي بالشرط (على المتصف به) كما إذا كان القيام قطعي الحصول لزيد غير قطعي لعمرو فنقول ان قمتما كان كذا (وقوله تعالى للمخاطبين المرتابين وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، يحتملهما) أي يحتمل ان يكون للتوبيخ والتصوير المذكور وان يكون لتغليب غير المرتابين على المرتابين لانه كان في المخاطبين من يعرف الحق وانما ينكر عنادا فجعل الجميع كأنه لا ارتياب لهم. وههنا بحث، وهو: انه إذا جعل الجميع بمنزلة غير المرتابين كان الشرط قطعي اللاوقوع فلا يصح استعمال ان فيه كما إذا كان قطعي الوقوع لانها انما تستعمل في المعاني المحتملة المشكوكة وليس المعنى ههنا على حدوث الارتياب في المستقبل. ولهذا زعم الكوفيون ان ان ههنا بمعنى إذ ونص المبرد والزجاج على ان ان لا تغلب كان على معنى الاستقبال لقوة دلالته على المضى فمجرد التغليب لا يصحح استعمال ان ههنا بل لابد من ان يقال لما غلب صار الجميع بمنزلة غير المرتابين فصار الشرط قطعي الانتفاء فاستعمل فيه ان على سبيل الفرض والتقدير للتبكيت والالزام كقوله تعالى فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وقل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين. (والتغليب) باب واسع (يجرى في فنون كثيرة كقوله تعالى وكانت من القانتين) غلب الذكر على الانثى بان اجرى الصفة المشتركة بينهما على طريقة اجرائها على الذكور خاصة فان القنوت مما يوصف به الذكور والاناث لكن لفظ قانتين انما يجرى على الذكور فقط (و) نحو (قوله تعالى بل انتم قوم تجهلون) غلب جانب المعنى على جانب اللفظ لان القياس يجهلون بياء الغيبة لان الضمير عائد إلى قوم ولفظه لفظ الغائب لكونه اسما مظهرا لكنه في المعنى عبارة عن المخاطبين فغلب جانب الخطاب على جانب الغيبة. (ومنه) أي ومن التغليب (ابوان) للاب والام (ونحوه) كالعمرين لابي بكر وعمر رضى الله عنهما والقمرين للشمس والقمر، وذلك بان يغلب احد المتصاحبين أو المتشابهين على الاخر بان يجعل الاخر متفقا له في الاسم ثم يثنى ذلك الاسم ويقصد اللفظ اليهما جميعا فمثل ابوان ليس من قبيل قوله تعالى [وكانت من القانتين] كما توهمه بعضهم لان الابوة ليست صفة مشتركة بينهما كالقنوت. فالحاصل ان مخالفة الظاهر في مثل القانتين من جهة الهيئة والصيغة وفي مثل ابوان من جهة المادة وجوهر اللفظ بالكلية (ولكونهما) أي ان وإذا (لتعليق امر) هو حصول مضمون الجزاء (بغيره) يعنى حصول مضمون الشرط (في الاستقبال) متعلق بغيره على معنى انه يجعل حصول الجزاء مترتبا ومعلقا على حصول الشرط في الاستقبال ولا يجوز ان يتعلق بتعليق امر لان التعليق انما هو في زمان التكلم لا في الاستقبال الا ترى انك إذا قلت ان دخلت الدار فانت حر فقد علقت في هذه الحال حريته على دخول الدار في الاستقبال (كان كل من جملتي كل) من ان وإذا بعني الشرط والجزاء (فعلية استقبالية). اما الشرط فلانه مفروض الحصول في الاستقبال فيمتنع ثبوته ومضيه. واما الجزاء، فلان حصوله معلق على حصول الشرط في الاستقبال ويمتنع تعليق حصول الحاصل الثابت على حصول ما يحصل في المستقبل (ولا يخالف ذلك لفظا الا لنكتة) لامتناع مخالفة مقتضى الظاهر من غير فائدة. وقوله لفظا: اشارة إلى ان الجملتين وان جعلت كلتاهما أو احديهما اسمية أو فعلية ما ضوية فالمعنى على الاستقبال حتى ان قولنا ان اكرمتني الان فقد اكرمتك امس معناه ان تعتد باكرامك اياى الان فاعتد باكرامى اياك امس. وقد تستعمل ان في غير الاستقبال قياسا مطردا مع كان نحو وان كنتم في ريب، كما مر وكذا إذا جئ بها في مقام التأكيد بعد واو الحال لمجرد الوصل والربط دون الشرط نحو زيد وان كثر ماله بخيل وعمرو وان اعطى جاها لئيم. وفى غير ذلك قليلا كقوله: فيا وطني ان فاتني بك سابق * من الدهر فلينعم لساكنك البال ثم اشار إلى تفصيل النكتة الداعية إلى العدول عن لفظ الفعل المستقبل بقوله (كابر از غير الحاصل في معرض الحاصل لقوة الاسباب) المتأخذة في حصوله نحو ان اشتريت كان كذا حال انعقاد اسباب الاشتراء (أو كون ما هو مقطوع الوقوع كالواقع) هذا عطف على قوة الاسباب وكذا المعطوفات بعد ذلك باو لانها كلها علل لابراز غير الحاصل في معرض الحاصل على ما اشار إليه في اظهار الرغبة. ومن زعم انها كلها عطف على ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل فقدسها سهوا بينا. (أو التفاؤل أو اظهار الرغبة في وقوعه) أي وقوع الشرط (نحو ان ظفرت بحسن العاقبة) فهو المرام هذا يصلح مثالا للتفاؤل ولاظهار الرغبة ولما كان اقتضاء اظهار الرغبة ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل يحتاج إلى بيان ما اشار إليه بقوله (فان الطالب إذا عظمت رغبته في حصول امر يكثر تصوره) أي الطالب (اياه) أي ذلك الامر (فربما يخيل) أي ذلك الامر (إليه حاصلا) فيعبر عنه بلفظ الماضي (وعليه) أي على استعمال الماضي مع ان لاظهار الرغبة في الوقوع ورد قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء (ان اردن تحصنا) حيث لم يقل ان يردن. فان قيل تعليق النهى عن الاكراه بارادتهن التحصن يشعر بجواز الاكراه عند انتفائها على ما هو مقتضى التعليق بالشرط، اجيب بان القائلين بان التقييد بالشرط يدل على نفى الحكم عند انتفائه انما يقولون به إذا لم يظهر للشرط فائدة اخرى ويجوز ان يكون فائدته في الاية، المبالغة في النهى عن الاكراه يعنى انهن إذا اردن العفة فالمولى احق بارادتها وايضا دلالة الشرط على انتفاء الحكم انما هو بحسب الظاهر والاجماع القاطع على حرمة الاكراه مطلقا قد عارضه والظاهر يدفع بالقاطع (قال السكاكى أو للتعريض) أي ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل. اما لما ذكر واما للتعريض بان ينسب الفعل إلى واحد والمراد غيره (نحو) قوله تعالى ولقد اوحى اليك والى الذين من قبلك (لئن اشركت ليحبطن عملك) فالمخاطب هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعدم اشراكه مقطوع به، لكن جئ بلفظ الماضي ابرازا للاشراك الغير الحاصل في معرض الحاصل على سبيل الفرض والتقدير تعريضا لمن صدر عنهم الاشراك بانه قد حبطت اعمالهم كما إذا شتمك احد فتقول والله ان شتمنى الامير لاضربنه، ولا يخفى عليك انه لا معنى للتعريض لمن لم يصدر عنهم الاشراك وان ذكر المضارع لا يفيد التعريض لكونه على اصله ولما كان في هذا الكلام نوع خفاء وضعف نسبه إلى السكاكى والا فهو قد ذكر جميع ما تقدم ثم قال. (ونظيره) أي نظير لئن اشركت، (في التعريض) لا في استعمال الماضي مقام المضارع في الشرط للتعريض قوله تعالى (ومالى لا اعبد الذى فطرني، أي وما لكم لا تعبدون الذى فطركم بدليل واليه ترجعون) إذ لو لا التعريض لكان المناسب ان يقال واليه ارجع على ما هو الموافق للسياق (ووجه حسنه) أي حسن هذا التعريض (اسماع) المتكلم (المخاطبين) الذين هم اعداؤه (الحق) هو المفعول الثاني للاسماع (على وجه لا يزيد) ذلك الوجه (غضبهم وهو) أي ذلك الوجه (ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل ويعين) عطف على يزيد. وليس هذا في كلام السكاكى أي على وجه يعين (على قبوله) أي قبول الحق (لكونه) اي لكون ذلك الوجه (ادخل في امحاض النصح لهم حيث لا يريد) المتكلم (لهم الا ما يريد لنفسه ولو للشرط) اي لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضا (في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط) فيلزم انتفاء الجزاء كما تقول لو جئتني لاكرمتك معلقا الاكرام بالمجئ مع القطع بانتفائه فيلزم انتفاء الاكرام فهي لامتناع الثاني اعني الجزاء لامتناع الاول اعني الشرط يعني ان الجزاء منتف بسبب انتفاء الشرط، هذا هو المشهور بين الجمهور. واعترض عليه ابن الحاجب بان الاول سبب والثانى مسبب وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب لجواز ان يكون للشئ اسباب متعددة بل الامر بالعكس لان انتفاء المسبب يدل على انتفاء جميع اسبابه فهى لامتناع الاول لامتناع الثاني الا ترى ان قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا انما سيق ليستدل بامتناع الفساد على امتناع تعدد الالهة دون العكس. واستحسن المتأخرون رأى ابن الحاجب حتى كادوا ان يجمعوا على انها لامتناع الاول لامتناع الثاني. اما لما ذكره واما لان الاول ملزوم والثانى لازم وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس لجواز ان يكون اللازم اعم. وانا اقول منشأ هذا الاعتراض: قلة التأمل، لانه ليس معنى قولهم لو لامتناع الثاني لامتناع الاول انه يستدل بامتناع الاول على امتناع الثاني حتى يرد عليه ان انتفاع السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاع المسبب أو اللازم بل معناه انها للدلالة على ان انتفاء الثاني في الخارج انما هو بسبب انتفاء الاول فمعنى لو شاء الله لهديكم ان انتفاء الهداية انما هو بسبب انتفاء المشيءة يعنى انها تستعمل للدلالة على ان علة انتفاء مضمون الجزاء في الخارج هي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات إلى ان علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي الا ترى ان قولهم لو لا لامتناع الثاني لوجود الاول نحو لو لا على لهلك عمر معناه ان وجود على سبب لعدم هلاك عمر لا ان وجوده دليل على ان عمر لم يهلك. ولهذا صح مثل قولنا لو جئتني لاكرمتك لكنك لم تجئ اعني عدم الاكرام بسبب عدم المجئ، قال الحماسي ولو طار ذو حافر قبلها، لطارت ولكنه لم يطر يعنى ان عدم طيران تلك الفرس بسبب انه لم يطر ذو حافر قبلها، وقال أبو العلاء المعرى ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم، رعايا ولكن ما لهن دوام. واما المنطقيون فقد جعلوا، ان ولو، اداة اللزوم وانما يستعملونها في القياسات لحصول العلم بالنتائج فهى عندهم للدلالة على ان العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الاول ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم من غير التفات إلى ان علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هي وقوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وارد على هذه القاعدة لكن الاستعمال على قاعدة اللغة هو الشانع المستفيض وتحقيق هذا البحث على ما ذكرناه من اسرار هذا الفن. وفى هذا المقام مباحث اخرى شريفة اوردناها في الشرح وإذا كان لو للشرط في الماضي (فيلزم عدم الثبوت والمضى في جملتيها) إذ الثبوت ينافى التعليق والاستقبال ينافى المضى فلا يعدل في جملتيها عن الفعلية الماضوية الا لنكتة ومذهب المبرد انها تستعمل في المستقبل استعمال ان للوصل وهو مع قلته ثابت. نحو قوله عليه السلام: اطلبوا العلم ولو بالصين وانى اباهى بكم الامم يوم القيامة ولو بالسقط. (فدخولها على المضارع في نحو) واعلموا ان فيكم رسول الله (لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) أي لو قعتم في جهد وهلاك (لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتا فوقتا).
صفحه ۹۵