(اما تركه فلما مر) في حذف المسند إليه (كقوله): ومن يك امسى بالمدينة رحله * (فانى وقيار بها لغريب) الرحل هو المنزل والمأوى، وقيار اسم فرس أو جمل للشاعر وهو ضابى، ابن الحارث كذا في الصحاح، ولفظ البيت خبر ومعناه التحسر والتوجع فالمسند إلى قيار محذوف لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر مع ضيق المقام بسبب التوجع ومحافظة الوزن. ولا يجوز ان يكون قيار عطفا على محل اسم ان وغريب خبرا عنهما لامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر لفظا أو تقديرا واما إذا قدرنا له خبرا محذوفا فيجوز ان يكون هو عطفا على محل اسم ان لان الخبر مقدم تقديرا فلا يكون مثل ان زيدا وعمرو ذاهبان بل مثل ان زيدا وعمرو لذاهب وهو جائز ويجوز ان يكون مبتدأ والمحذوف خبره والجملة باسرها عطف على جملة ان مع اسمها وخبرها (وكقوله نحن بما عندنا واتت بهما * عندك راض والرأى مختلف) فقوله: نحن مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا، أي نحن بما عندنا راضون، فالمحذوف ههنا هو خير الاول بقرينة الثاني وفى البيت السابق بالعكس (وقولك: زيد منطلق وعمرو) أي وعمرو منطلق فحذف للاحتراز عن العبث من غير ضيق المقام (وقولك خرجت فإذا زيد) أي موجود أو حاضر أو واقف أو ما اشبه ذلك فحذف لما مر مع اتباع الاستعمال، لان إذا المفاجأة تدل على مطلق الوجود. وقد ينضم إليها قرائن تدل على نوع، خصوصية كلفظ الخروج المشعر بان المراد فإذا زيد بالباب حاضر أو نحو ذلك (وقوله ان محلا وان مرتحلا * وان في السفر إذا مضوا مهلا (أي) ان (لنا في الدنيا) حلولا (و) ان (لنا عنها) إلى الاخرة (ارتحالا). والمسافرون قد توغلوا في المضى لا رجوع لهم، ونحن على اثرهم عن قريب، فحذف المسند الذى هو ظرف قطعا لقصد الاختصار والعدول إلى اقوى الدليلين، اعني العقل ولضيق المقام، اعني المحافظة على الشعر ولاتباع الاستعمال لاطراد الحذف فيمثل ان مالا وان ولدا وقد وضع سيبويه في كتابه لهذا بابا فقال هذا باب ان مالا وان ولدا (وقوله تعالى قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربى). فقوله انتم ليس بمبتدأ لان لو انما تدخل على الفعل بل هو فاعل فعل محذوف، والاصل لو تملكون انتم تملكون فحذف الفعل الاول احترازا عن العبث لوجود المفسر ثم ابدل من الضمير المتصل ضمير منفصل على ما هو القانون عند حذف العامل فالمسند المحذوف ههنا فعل وفيما سبق اسم أو جملة. (وقوله تعالى: فصبر جميل يحتمل الامرين) حذف المسند أو المسند إليه (أي) فصبر جميل (اجمل أو فأمري صبرى جميل) ففى الحذف تكثير للفائدة بامكان حمل الكلام على كل من المعنيين بخلاف ما لو ذكر فانه يكون نصا في احدهما. (ولابد) للحذف (من قرينة) دالة عليه ليفهم منه المعنى (كوقوع الكلام جوابا لسؤال محقق نحو ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) أي خلقهن الله فحذف المسند لان هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء يكون جوابا عن سؤال محقق والدليل على ان المرفوع فاعل والمحذوف فعله انه جاء عند عدم الحذف كذلك كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم، وكقوله تعالى قال من يحي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي انشأها اول مرة. (أو مقدر) عطف على محقق (نحو) قول ضرار بن نهشل يرثى يزيد بن نهشل (وليبك يزيد) كانه قيل من يبكيه فقال (ضارع) أي يبكيه ضارع أي ذليل (لخصومة) لانه كان ملجأ للاذلاء وعونا للضعفاء تمامه ومختبط مما تطيح الطوائح. والمختبط: هو الذى يأتي اليك للمعروف من غير وسيلة تطيح من الاطاحة وهى الا ذهاب والاهلاك والطوائح جمع مطيحة على غير القياس كلواقح جمع ملقحة ومما يتعلق بمختبط وما مصدرية أي سائل يسئل من اجل اذهاب الوقائع ماله أو بيبكى المقدر أي يبكى لاجل اهلاك المنايا يزيد. (وفضله) أي رجحانه نحو ليبك يزيدا ضارع مبنيا للمفعول (على خلافه) يعنى ليبك يزيد ضارع مبنيا للفاعل ناصبا ليزيد ورافعا لضارع (بتكرر الاسناد) بان اجمل اولا (اجمالا ثم) فصل ثانيا (تفصيلا) اما التفصيل فظاهر. واما الاجمال فلانه لما قيل: ليبك علم ان هناك باكيا يسند إليه هذا البكاء لان المسند إلى المفعول لابد له من فاعل محذوف اقيم المفعول مقامه ولا شك ان المتكرر آكد واقوى وان الاجمال ثم التفصيل اوقع في النفس (وبوقوع نحو يزيد غير فضلة) لكونه مسندا إليه لا مفعولا كما في خلافه (وبكون معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقبة لان اول الكلام غير مطمع في ذكره) أي ذكر الفاعل لاسناد الفعل وتمام الكلام به بخلاف ما إذا بنى للفاعل فانه مطمع في ذكر الفاعل إذ لابد للفعل من شئ يسند هو إليه. (واما ذكره) أي ذكر المسند (فلما مر) في ذكر المسند إليه من كون الذكر هو الاصل مع عدم المقتضى للعدول ومن الاحتياط لضعف التعويل على القرينة مثل خلقهن العزيز العليم. ومن التعريض بغباوة السامع نحو محمد نبينا صلى الله عليه وآله في جواب من قال من نبيكم وغير ذلك (أو) لاجل (ان يتعين) بذكر المسند (كونه اسما) فيقيد الثبوت والدوام (أو فعلا) فيفيد التجدد والحدوث. (واما افراده) أي جعل المسند غير جملة (فلكونه غير سببي مع عدم افادة تقوى الحكم) إذ لو كان سببيا نحو زيد قام ابوه أو مفيدا للتقوى نحو زيد قام فهو جملة قطعا.
صفحه ۸۵