وأخذوا جلتار وأحضروه إلى السلطان ، فسأله عن أخبار التتار ، فأخبره خقيقة أمرهم ، وأن عدتهم ثمانون ألفا خكم أن أبغا جرد من كل عشرة فوارس ثمانية . فلما سمع السلطان ذلك أعظمه ، وأخلس له نيته ، ورحل من مرج عذراء إلى جهة حمص . وراسل الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، ولاطفه وأذكره قديم الصحية والحوشداشية ، وما يجب عليه من حقوق الملة الإسلامية ، وقال له : كيف تكون قد أفنيت عمرك في الإسلام ، ولما تقاذفت باث الأعوام ، ونادي داعي الحمام ، تجاهد المسلمين مع التتار ، وتميل عن دينك إلى الكفار ؟ وفاوضه في ذلك ومثله ، فأرسل المذكور من جهته ثقة ليستحلف السلطان أنه لايؤذيه بيير أو لسان ، وأن يكون له الخيار والتصرف في نفسه كما يختار . فأجابه السلطان إلى مراده ، وحلف له خضور قصاده . فحضر إلى المخيم في ثاني عشر رجب سنة 680 ه قبل الوقعة ، واستبشر المسلمون بحضوره ، وقويت قلوبهم بقدومه ، ولأنه كان عونا عليهم ، فصار عونا لهم مع ما له من السمعة المذكورة ، والمواقف المشكورة . وحضرت بطاقة النواب بشيزر بوصول التتار . وحضر الكشافة ، وأخبروهم بمعاينتهم إياهم حقيقة . فركب السلطان بنفسه ، ورتب الجيش ميمنة وميسرة وقلبا . وصار يستقرىء أحوالهم طلبا طلبة ، ويركب يتفقدهم بنفسه باكرة وعشية ، ويطيب خواطرهم ، ويعدهم بالخيرات ، ويرغبهم فيما أسعد الله للمجاهدين من الشجارات . ولما كان بكرة الخميس رابع عشر سنة 680 هه ، أقبل التتار بأطلاب كأمواج البحار ، وكراديس إذا تأملها الطرف يحار . وكان في الميمنة الإسلامية الأمير بدر الدين بيسري، والملك المنصور مناسب ماه ، والأمير علاء الدين الحاج ليبرس الوزيري ، وال فضل ، وال مري ، وغيرهم من العربان في رأس الميمنة . وفي الميسرة الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، والأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح ، والأمير علم الدين الحلبي ، ومن معهم ، والتركان ، وعسكر حصن الأكراد . وفي رأس الميسرة الأمير حسام الدين طرنطاي مع جماعته ، وبعض الأمراء في الجاليش ، والسلطان في القلب ، ونحن معه تحت السناجق . فلما هجم التتار وارتفع النقع المثار تقدم المسلمون إليهم ، والتقيا الجمعان . وكانت الميمنة الإسلامية قبالة ميسرتهم ، فصدقتهم القتال ، ونازلتهم أشد النزال ، فكسرت ميمنة الإسلام ميسرة التتار ، وقتلوا منهم خلقا كبيرا . وولى منكومر هزيما ، وولي جميعهم الأدبار ، وشمروا للفرار ، وتبعنا آثارهم ، وظننا أن الميسرة الإسلامية قد فعلت كذلك ، وإذا بها لما لاقوا التتار ، وحملوا عليهم ، وانهزموا ولم يثبتوا ، وعدي سنقر الأشقر نهر العاصي هاربا ، وعسكر حصن الأكراد ، ومن كان في الميسرة ، وتبعهم التتار إلى ست حمص المعروف بأسد الدين ، ولا علم لهم بانهزام مسلكهم . وأما نحن ، فلما هزمنا التتار تبعناهم إلى العصر ، وأتينا على أكثرهم قتلا وأسرا . ولما ثنبنا عنهم الأعنة تبينا نقعا ثائرا ، وعسكرا سائرا ، فلم نشك أنه من العساكر الإسلامية ، فانجلى عن معسكر التتار الذين كسروا الميسرة ، وقد رجعوا على آثارهم ، وولوا على أدبارهم ، وهم مجتمعون بعضهم إلى بعض ، مسرعون يركضون أيما ركض ، واجتازوا بالسلطان وهو في نفر قليل من الأجناد ، وجمع كثيف من الأثقال والسواد ، فوقفوا قبالته ساعة وهو رابط الجأش لا يتزحح ، وتشاوروا ثم ولوا عنه ، ولم يلموا به ، ولا دنوا منه . وكان هذا من العناية الإلهية ، وإلا لو تقدموا إليه ، ووثبوا عليه ، والعساكر عنه قد تفرقت ، الكانوا أثروا أثرا ، وقضوا من التمكن وطرا ، وإنما أعمى الله أبصارهم ، وقدر للمسلمين انتصارهم . والسبب الذي اقتضى رجوعهم أنهم لما وصلوا خلف العسكر الذي هزموه إلى شد حمص ، [ نزلوا عن خيلهم في المرج الذي عند سد حمص منتظرين قدوم رفقتهم معتقدين ربح صفقتهم ، ولم يعلموا أنهم قد انكسروا ، وولوا وأدبروا . فلما طال بهم الانتظار ، أرسلوا من يكشف لهم الأخبار ، فعاد الكشافة إليهم وأخبروهم بما تم عليهم ، فركبوا خيولهم ، وقد فقدوا عقولهم ، وعادوا راجعين ، وبأصحابهم لاحقين ] .
[ ذكر نسخة الكتاب الواصل من جهة إيلخان أحمد تكدار ملك المغول بفارس إلى السلطان الملك المنصور قلاوون سنة 681 ه ، خبرا بانتقاله إلى ملة الإسلام ، هو ومن معه من التتار ]
إلى سلطان مصر : أما بعد ، فإن الله سبحانه وتعالى ، بسابق عنايته ونور هدايته ، قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا وريعان الحداثة ، إلى الإقرار بربوبيته ، والاعتراف بوحدانيته ، والشهادة بمحمد عليه أفضل الصلوات والسلام بصدق نبوته ، وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده في بريته ، ومن يرد الله
صفحه ۷۴