70 - وحدثتني أم آسية -قابلة أولاد خمارويه بن طولون، وكان لها دين ومذهب جميل، ومحل لطيف من خمارويه. وقد تذاكرنا لطف الله عز وجل في أرزاق عباده، وحسن الدفاع عنهم-: أنه تزوجها وأختها أخوان، فأقبلت حال زوج أختها وأدبرت حال زوجها، قالت: وتوفي زوجها بأسوأ حالة، وخلف لها بنات، وتعذر عليها تجهيزه من اختلاله. وتوفي زوج أختها، وقد خلف من العين والمساكن والأواني لولد أختها.
قالت: ((فكنت أجاهد في مؤنة ولدي، وإذا وقف أمري، صرت إلى أختي فقلت: ((أقرضيني كذا وكذا))، استحياء من أن أقول لها: ((هبي لي .. )). ودخل شهر رمضان، فلما مضى نصفه، اشتهوا علي صبياني حلوى في العيد، فصرت إلى أختي فقلت لها: ((أقرضيني دينارا أعمل به للصبيان حلوى في العيد))، فقالت: ((يا أختي! تغيظيني بقولك: ((أقرضيني))، وإذا قرضتك من أين تعطيني؟ أمن غلة دورك أو بستانك؟ لو قلت: ((هبي لي)) كان أحسن)). فقلت لها: ((أقضيك من لطف الله تعالى الذي لا يحتسب، وجوده الذي يأتي من حيث لا يرتقب!)). فتضاحكت وقالت: ((يا أختي! هذا والله من المنى، والمنى بضائع النوكى!)). فانصرفت عنها أجر رجلي إلى منزلي.
وكان في جوارنا خادم أسود لبنت اليتيم امرأة خمارويه، فلما بلغت حارتنا قال لي: ((في جوارنا امرأة تطلق قد أوجعت قلبي ادخلي إليها فليس لها قابلة)). قالت أم آسية: ((والله ما عانيت ممخوضة قط، فدخلت إليها، فمسحت جوفها، وأجلستها كما كان القوابل يجلسنني في طلقي، فولدت من ساعتها. فلما أمسك صياحها، جاء الخادم يسأل عنها، فقلت: ((قد ولدت!))، فعجب من سرعة أمرها، وظن أن هذا شيئا قد اعتمدته بحذق صناعة، ولطف في مهنة. فمضى إلى سته بنت اليتيم -وكان مقربا بأول ولد حمل لأبي الجيش، وقد عرض عليها قوابل استثقلتهن-، فقال: ((في جوارنا قابلة أحضرناها لمرأة في حارتنا تطلق، فوضعت يدها على جوفها فسقط ولدها!)) ووصفني بما لا يوجد في قدرة أحد إلا بالله عز وجل! فقالت للخادم: ((إذا كان غدا فجئني بها))، فأتى الغلام ودعاني إلى مولاته، فأجبت بانشراح صدر وثقة بالله تعالى. فاستخفت روحي وقالت: ((إلى التمام تقدير الله تبارك وتعالى)). ثم شكت مغسا تجده المقرب، فأدخلت يدي في ثيابها ومسحت جوفها، وعججت إلى الله تعالى في سري بتوفيقي، وكنت أدعو -ومن حضر من أهلها يتوهم أني أرقي- فسكن ما وجدته وتبركت بي. ودخل إليها خمارويه وقال: ((ما وجدتي)) فقالت: ((مغسا في جوفي، فوضعت قابلة أردتها يدها عليه، فزال ما أجده!))، وأخرجتني إليه -وكان قريبا من حرمه-، فقال لي: ((أرجو أن يخلصها الله عز وجل ببركتك)) ,
قالت أم آسية: ((ودخلنا في العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد تمسكت من الإخلاص لله عز وجل بما لا يصل إليه من ساح في الجبال، خوفا من شماتة #109# أختي بي. فلم تمض إلا ثلاثة أيام حتى مخضت، فأجلستها على كرسي الولادة -وكان مقدار طلقها ساعتين-، فولدت ابنا أسهل ولادة، وأبو الجيش يقوم ويقعد، ويذهب ويجيء. فلما ولدت -وكانت تتوقع من الولادة أمرا عظيما- فلما ألقته قالت لي: ((هذا الطلق؟))، قلت: ((نعم!)) فقبلت -يعلم الله- عيني من الفرح. وصاح خمارويه: ((أخبريني يا مباركة بخبرها))، فقلت: ((وحياة الأمير إنها في عافية، وقد ولدت غلاما سوي الخلق بحمد الله)). فوجه إلي بألف دينار، وألح أبو الجيش في النظر إليها لفرط إشفاقه عليها، فاستوقفته إلى أن نقلت حوائج الولادة وقلت لها: ((يا سيدتي! اضحكي في وجهه كما تريه)). فلما دخل إليها ضحكت في وجهه، فتقدم بصدقة بمال كثير عنها وعن ولده)).
وقالت لي أم آسية: ((لما كان يوم الأسبوع -ووقع قبل العيد بيوم واحد-، أمرت لي بخمس مائة دينار، وحصل من أتباعها ألف دينار، فحصل لي ألفان وخمس مائة دينار. وخلعت علي وسائر حشمها أكثر من ثلاثين خلعة، وحمل إلي مما أعد للعيد ثلاث موائد خاصة. وانصرفت إلى منزلي، فأرسلت إلى أختي مائدة، ووافتني مهنئة، وقد تقاصر طولها، فأريتها ما حصل لي من المال والخلع والطيب وقلت لها: ((يا أختي! أنكرتي علي قوله: ((أقرضيني)) ومن هذا كنت أقضيك. فلا تستصغري من كان الله مادته، وعليه مدار ثقته وتعويضه)).
واكتسبت هذه المرأة بمحلها من أبي الجيش مالا كثيرا، وقضت لجماعة من وجوه البلد حوائج خطيرة.
صفحه ۱۰۷