66 - وحدثني [أبو كامل] شجاع بن أسلم الحاسب أيضا، قال:
((كان محمد وأحمد ابنا شاكر -في أيام المتوكل- يكيدان كل من ذكر [بالتقدم] في معرفة. فأشخصا سند بن علي إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل. ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل، ووجها إلى داره فأخذا كتبه بأسرها، فأفرداها في خزانة سميت الكندية، ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة.
وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف بالجعفري، فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغاني -الذي عمل المقياس الجديد بمصر، وكانت معرفته أوفى من توفيقه، لأنه ما تم له عمل قط -فغلط في فوهة النهر وجعلها أخفض من سائره، فصار ما يغمر الفوهة لا يغمر سائره، فدافع محمد وأحمد ابنا شاكر في أمره. واقتضاهما المتوكل، فسعي بهما إليه فيه. فأنفذ مستحثا في إحضار سند بن علي من مدينة السلام ، فوافى.
فلما تحقق محمد وأحمد ابنا شاكر أن سندا قد شخص، أيقنا بالهلكة ويئسا من روح الحياة.
فدعا المتوكل سندا وقال [له]: ما ترك هذان الرديئان شيئا من سوء القول إلا وقد ذكراك عندي به، وقد أتلفا جملة من مالي في هذا النهر، فاخرج إليه حتى تتأمله وتخبرني بالغلط فيه، فإني قد آليت على نفسي -إن كان الأمر على #103# ما وصف- أن أصلبهما على شاطئه)). وكل هذا بعين محمد وأحمد وسمعهما، فخرج وهما معه.
((فقال محمد [بن موسى لسند]: يا أبا أحمد ((إن قدرة الحر تذهب حفيظته، وقد فزعنا إليك في أنفسنا التي هي أنفس أعلاقنا، وما ننكر أنا قد أسأنا، والاعتراف يهدم الاقتراف، فتخلصنا كيف شئت)).
قال لهما: ((أنتما تعلمان ما بيني وبين الكندي من العداوة والمباعدة، ولكن الحق أولى ما اتبع. أكان من الجميل ما أتيتما إليه في أخذ كتبه؟ والله لا ذكرتكما [بصالحة] حتى ترداها عليه!)). فتقدم محمد بن شاكر في حمل الكتب إليه، وأخذ خطه باستيفائها. فوردت رقعة الكندي أنه تسلمها عن آخرها، فقال لهما: ((قد وجب لكما علي ذمام برد كتب هذا الرجل، ولكما علي ذمام بالمعرفة التي لم ترعياها في؛ والخطأ في هذا النهر يستتر مدة أربعة أشهر بزيادة دجلة، وقد أجمع الحساب على أن أمير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى، وأنا أخبره الساعة أنه لم يقع خطأ في النهر إبقاء على أرواحكما، فإن صدق المنجمون أفلتنا الثلاثة، وإن كذبوا -وجازت مدته حتى تنقص دجلة وينضب النهر- أوقع بنا ثلاثتنا)).
((فشكر محمد وأحمد هذا القول منه، واستتر الأمر واسترقهما به، ودخل إلى المتوكل فقال [له]: ((ما غلطا))، وزادت دجلة، وأجرى الماء فيه، واستتر حال النهر، وقتل المتوكل بعد شهر [ين] من إجرائه. وسلم محمد وأحمد بعد شدة الخوف مما توقعا)).
صفحه ۱۰۲