64 - وسمعت يوسف بن إبراهيم والدي، وهو يقول:
((كانت بيني وبين أحمد بن محمد بن مدبر سوالف ترعى ويحافظ عليها، فلما تولى مصر رأى حسن ظاهري، فظن ذلك عن أموال جمة لدي، فجد بي في المطالبة، وأخرج علي بقايا لعقود انكسرت من آفات عرضت لضياعها، ولم يسمع الاحتجاج فيها، واستقصر ما أوردته، و[ظنه] إنما كان عن حيلة، فاحتبسني مع المتضمنين. فكان يغدو في كل يوم غلام له يحجبه يعرف بفضل، فيكتب على كل رجل ما يؤديه في يومه، فإن شكا أنه لا يصل إلى شيء، أخرجه فحملت عليه الحجارة، وطولب أعنف مطالبة.
((فلم يزل بي إلحاحه حتى بعت حصر داري فضلا عما فيها، وعرضت داري فمنعني من بيعها، ووجه إلي: ((فأين يكون حرمك؟)). فوافاني كاتبي في يوم من الأيام فقال لي: ((يشهد الله أنا ما نصل لك اليوم إلى ما يقيمك، فضلا عن شيء تؤديه!)).
وأمسك فضل غلامه عن الدخول في ذلك اليوم علينا، وتعرف ما يؤديه كل واحد منا. فلما صليت الظهر من ذلك اليوم أنفذ إلي توقيعا نسخته:
((يا أبا الحسن أعزك الله! قد ألويت بما بقي عليك، وهو سبعة عشر ألف دينار، وآثرنا صيانتك عن خطة المطالبة هذه المدة، فإن أزحت العلة فيها، #100# وإلا سلمناك إلى أبي الفوارس مزاحم بن خاقان أيده الله، وسببت به عليك لأصحابه)).
فكتبت إليه رقعة أحلف فيها: ((إني ما أملك عدد هذا المال حب حنطة: ولو كان لي شيء لصنت به نفسي! فإن رأي السيد رعاية السالف بيني وبينه وستر مخلفي، كان أهلا لما يأتيه، وإن سلمني إلى هذا الرجل رجوت من الله عز وجل ما لا يخطئ من رجاه)).
((فرجع إلي بعض غلمانه ومعه رقعة مختومة، فاستركبني. وسار بي إلى مزاحم، فلما قرئت عليه الرقعة أدخلني إليه، وعنده كاتب له يعرف بالمروزي فعرفني مزاحم ولم أعرفه-: وكان أبوه في الحارة التي فيها دار أبي بسر من رأى، وربته أم امرأة لي تعرف بميمونة، مولاة أم محمد بنت الرشيد؛ ولا علم لي بشيء من هذا فقال: ((أنت كاتب إبراهيم بن المهدي؟))، قلت: ((نعم! أيد الله الأمير))، قال: ((كنت أراك وأنا صبي في حارتنا، ووالله ما طلب ابن المدبر أن يروج علي مالا، وإنما أراد أن أقتلك بالمطالبة. وقد قبلت التسبيب، ورأيت أن أكتب إلى أمير المؤمنين أعرفه رزوحك وقصور يدك عن هذا المال، فإن سهل، وإلا نجمه علي وعلى رجالي حتى يقاضوا به في كل نجم))، ثم قال للمروزي: ((هذا رجل من مشايخي، وأم زوجته ببغذاذ تولت تربيتي، وقد استكتبته على أموري وما أحتاج إلى قبالته من الضياع بمصر، وليس يزيلك عن رسمك))، وأخذ خاتما قد كان تختم به الكتب بحضرته فأعطانيه. #101# وسألني عن العجوز التي ربته، فقلت: ((هي بمصر معي!))، وانصرفت من عنده إلى منزلي. فكان أول من هنأني بمحلي منه ابن المدبر، ورجعت إلى نعمتي معه في مدة يسيرة)).
صفحه ۹۹