62 - وحدثني منصور بن إسماعيل الفقيه، قال:
((خرج رجل نعرفه بتجارة، قصده إلى الهند؛ فرجع إلينا بأنواع من الطيب كثيرة لها قيمة خطيرة، وهو في نهاية السرور، فقلنا له: ((كم ربحت في التجارة التي خرجت بها من عندنا؟))، فقال: ((غرقت وسائر من كان معي، فسلمت بحشاشة نفسي في جزيرة من جزائر الهند، فتلقاني قوم فيها وجاءوا بي إلى ملكهم فقال لي: ((قد نفدت الموهبة الخارجة عنك، فما معك من الموهبة الثابتة عليك؟))، قلت: ((معي الكتاب والحساب))، فقال الملك: ((ما بقي لك، أفضل من الذي ذهب منك، والصواب أن تعلم ابني الكتاب بالعربية والحساب، فأرجو أن نعوضك أكثر مما [فقدته]))، وسلم إلي من ابنه: أذكى صبي وألطفه، فتعلم في مدة يسيرة ما يتعلمه غيره في مدة طويلة.
فلما رأى أنه قد توجه واستحققت منه الإحسان، صار إلي صاحب الملك فقال: معي هدية من الملك إليك، وأدخل إلي بقرة فتية، ثم قال: ((أدفعها لك إلى الراعي؟))، فقلت: ((افعل))، وصغر في عيني أمر الملك على عظم شأنه. فما مضى زمن قصير حتى جاء الراعي فقال: ((ماتت البقرة!))، واستقبلني كل خاصة الملك بالتغمم. ثم ظهر في ابنه تزيد، فبعث إلي ببقرة فتية أخرى فرددتها إلى الراعي، فما مضت مدة يسيرة حتى وافى يبشرني فقال: ((قد حملت #97# البقرة!))، فلما انتهى حملها وضعت فهنأني حاشية الملك بأسرهم. ثم جلس الملك مجلسا عاما، وأحضر التجارة التي رأيتموها معي، ثم قال:
((لم يذهب علي ما يجب لك في تعليم ابني، ولم أبعث بالبقرة الأولى لفضل البقرة عندي، ولكن نزلت بك محنة في البحر أتت على مالك، فامتحنت بالبقرة ما أنت عليه منها. وعلمت أني لو أعطيتك جميع ما ملكت يدي -وقد بقي منها شيء- لضاع منك وهلك لديك. فلما أخبرت أنها ماتت علمت أنك فيها. ثم امتحنت أمرك بالبقرة الثانية، فلما أخبرت أنها قد حملت علمت أنها قد انحسرت عنك، فسررت لك بذلك، واستظهرت بانتظار الولادة. فلما ولدت شخصا كاملا صحيح الأعضاء، علمت أنك قد فارقت محنتك. وهذا ما أعددته لك!)). ثم وصلني بطيب قومته عشرين ألف دينار، وحملني في البر فسلمت، وزاد بأرض العرب ثمنه على ما قومته)).
قال منصور: ((فرأيته قد أيسر بعد الخلة والتلفيق في المعاش!)).
صفحه ۹۶