253

موجز

الموجز لأبي عمار عبد الكافي تخريج عميرة

ژانرها

ثم يقال لهم: أليست هذه الأفعال محدثة كائنة بعد أن لم تكن، وخارجة من معنى العدم إلى معنى الوجود؟ فمن قولهم: بلى، قيل لهم: فهل في أنها محدثة مخلوقة بعد إذ لم تكن خارجة من معنى العدم إلى معنى الوجود أكثر من أنها مخلوقة، وهل في أنها مخلوقة أكثر من أنها محدثة كائنة بعد أن لم تكن خارجة من العدم إلى الوجود؟ فإن كان الله هو الذي أحدث الأفعال وكونها بعد إذ لم تكن، وأخرجها من العدم إلى الوجود فهو الذي خلقها، وإن كان العبد هو الذي أحدث الأفعال وكونها بعد إذ لم تكن، وأخرجها من العدم إلى الوجود فهو الذي خلقها، ويسألون عن الفرق فلا يجدونه أبدا، وربما تجاسر جسورهم فيقول: بلى إنها مخلوقة للعبد، وذلك أنهم لا يترددون في أنها غير مخلوقة لله، ويترددون في أنها مخلوقة للعبد أو غير مخلوقة له، إلا أن يتجاسر متجاسرهم على ذلك. ولعمري أنه لقياس مقالة القوم، إذ كان الله عز وجل إنما سمي خالقا لأنه ينشئ ويخترع، والعباد على مثل ذلك من الصفة عندهم، فيقال لهذا المتجاسر: إذا كانت مخلوقة للعبد فينبغي أن تكون مملوكة له ومربوبة له، بل التي تجاسرت عليها أشنع من هاتين وأفحش منهما، فإذا جوز هاتين قيل له: فينبغي أن تكون مألوهة للعبد، فحينئذ يكون العبد خالقا لأفعاله، ومالكا لها، وربا وإلها. فمن قال: لا خالق غير الله ولا رب سواه، وأن لا إله إلا هو كان مخطئا، فعند ذلك يقال لقائلها: كيف وها هنا من الخالقين والأرباب والآلهة ما لا يحصى، على قياس هذا المذهب. ألا ترون إلى ما أصار هؤلاء القوم خذلان الله عز وجل إليه من اضطراب الكلمة وتشتيت الأهواء في تقليد الكبراء، فنعيذكم بالله وإيانا من التورط في المهلكة، وقد قال الله عز وجل: (هل من خالق غير الله) (¬1)

¬__________

(¬1) الآية 3 من سورة فاطر، وتكملة الآية: (يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون)..

صفحه ۵۵