غير المتحرك، ولا أن السكون غير الساكن، ولا أن الحركة غير السكون، ولا أن السكون غير الحركة، لكثرة أقاويل المختلفين في ذلك، وليس هذا موضع ذكره، فلما أن وجدنا الفاعلين ليس من قصدهم ولا من معرفتهم أن تكون حركتهم غيرهم، ولا سكونهم غيرهم، ولا حركتهم غير سكونهم، ولا سكونهم غير حركتهم، وليس من قصدهم ولا مما يتأتى لهم أن يجعلوا حركتهم متعبة مؤلمة مؤذية، ولا أن يجعلوها ناقلة لهم في الأماكن الكثيرة، قاطعة بهم مفاوز ومسافات في البر والبحر، ولا أن يجعلوا سكونهم بخلاف ذلك، علمنا أن الذي تولى تدبير ذلك من الأفعال على ما هي به من الذي وصفنا غير المتحرك والساكن، مع ما في ذلك من سقوط الذم واللائمة، وإبطال الحمد، وحسن الثناء لهم، وما فيه من كراهتهم لذلك، إذا هو أتى على غير قصدهم، ويقال لهم: أخبرونا عمن جعل الأكل مخالفا للشرب، والشرب مخالفا للأكل، والصوم مخالفا للإفطار، وجعل كثرة الأكل متخما، والشرب مرويا، وجعل الصوم مجيعا معطشا، والإفطار بخلاف ذلك؟ فإن زعموا أن العباد جعلوا ذلك على ما وصفنا، لزمهم في هذه ما ألزمناهم في الأولى، فإن عارض في هذا منهم معارض، فقال: فإن زعمتم أن الله تولى جعل هذه الأفعال على ما وصفتم من ذلك، وكونها على ما قلتم، فهل تصفونه بالقدرة على أن يجعلها بخلاف ذلك، فينقلها من هيئتها التي هي عليها، فيجعل الأفعال مدركة بالحواس، مشاهدة بالعيان، ويجعل الحركة منها سكونا، والسكون حركة، ويجعل السكون متعبا مؤلما، والحركة مريحة من التعب، ويجعل الأكل مرويا، ويجعل الشراب متخما؟ فإن كنتم تصفونه بالقدرة على تحويل هذه الأشياء عن هيئاتها ثبت لكم ما أضفتموه إليه من ذلك، وإلا كيف تضيفون إليه فعل شيء من الأشياء وأنتم لا تصفونه بالقدرة على تركه، ولا على جعله بخلاف ما هو به؟ وهذه المعارضة من أقوى معارضات القدرية عند أنفسهم، فيقال لهم: أليس قد جاز أن يقال إن هذه الأفعال في أنفسها على ما هي به، واستحال أن تكون على غير ما هي به، ولم تكن استحالة كونها على غير ما هي به مبطلا أن تكون كائنة على ما هي به، فلم لا كان هذا مجوزا أن يقال: إنها مجعولة على ما هي به، وإن استحال أن يكون الجاعل الذي جعلها على ما هي به؟
ثم يقال لهم بعد ذلك: أخبرونا عن حركات الاضطرار: من جرية المياه واضطرابها، وحركات الأفلاك (¬1)
¬__________
(¬1) ذهب بعض الحكماء كأرسطو وأتباعه، والجبائي من المعتزلة إلى أن بين كل حركتين مستقيمتين كصاعدة وهابطة سكونا، فالحجز إذا صعد قسرا ثم رجع فلا بد أن يكون فيما بينهما، فإن كل حركة مستقيمة لا بد أن تنتهي إلى سكون؛ لأنها لا تذهب على الاستقامة إلى غير النهاية، ومنعه غيرهم كأفلاطون، وأكثر المتكلمين من المعتزلة.
وحركات الأفلاك وما في أجرامها لها أسماء: الحركة البسيطة، وتسمى متشابهة، وبالحركة حول المركز أيضا، وبالحركة حول النقطة أيضا: وهي حركة تحدث بها عند مركز الفلك في أزمنة متساوية. راجع شرح المواقف 2 147، 181، وكشاف اصطلاحات الفنون 2: 99، 100.
صفحه ۲۸