في تاريخ سورية الدنيوي في القرن التاسع
(1) في الخلفاء العباسيين في القرن التاسع
ذكرنا أن هرون الرشيد توفي سنة 809، فخلفه ابنه الأمين وأبطل سنة 811 اسم المأمون أخيه في الخطبة، وكان أبوهما قد عهد بالخلافة إلى الأمين ومن بعده للمأمون، فكانت حرب بين الأخوين أفضت إلى قتل الأمين سنة 814، واستبداد المأمون بالخلافة، وفي سنة 817 جعل عليا ابن موسى بن جعفر من ولد علي بن أبي طالب ولي عهد المسلمين والخليفة، فصعب ذلك على بني العباس، وخلعوه من الخلافة وبايع أهل بغداد بالخلافة لإبراهيم بن المهدي، ولكن مات علي المذكور فخلع أهل بغداد إبراهيم ودعوا بالخلافة للمأمون، واستمر عليها إلى سنة 833.
وبعد وفاته بويع بالخلافة لأخيه المعتصم وتشعب الجند، ونادوا باسم العباس بن المأمون واستحضره المعتصم، فبايع عمه وأسكت الجند وحارب المعتصم توافيل ملك الروم وتوفي سنة 842، وهو أول من أضاف اسم الله إلى اسمه فسمي المعتصم بالله، وخلفه أخوه ابنه الواثق بالله تلك السنة، وفي أيامه استولى المسلمون على جزيرة صقلية وتوفي سنة 847، وخلفه أخوه المتوكل على الله، ومن أعماله هدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، ومات مقتولا سنة 862، وخلفه ابنه المنتصر بالله، وكان قد عامل على قتل أبيه فلم يملك إلا ستة أشهر، وتوفي سنة 863، ومن بعد وفاته اتفق كبراء الدولة على تولية المستعين بن المعتصم، فكثر الشغب في أيامه وحصره المشاغبون في قصره بسامراء فهرب إلى بغداد، وأقام الشاغبون المعتز بن المتوكل على الله، فسير جنودا لحرب المستعين وكان بين الفريقين قتال شديد، فأكره كبراء الدولة المستعين على خلع نفسه، ففعل سنة 867، وخطب للمعتز ببغداد، وولى أحمد بن طولون على مصر وسورية، فعصاه واستبد بولايتهما سنة 870، واتفق بعض الجنود على خلع المعتز فقبضوا عليه، وعذبوه حتى مات سنة 870، وخلفه المهتدي بالله وهو ابن الواثق بالله، ولم يبق في الخلافة إلا أحد عشر شهرا ونصفا وقتل سنة 871، فاختار كبراء الدولة المعتمد على الله بن المتوكل على الله، فاستمر على الخلافة إلى سنة 893، ومن بعد وفاته بويع بالخلافة للمعتضد بالله ابن أخيه الموفق وتوفي سنة 902. (2) في أخص الأحداث التي كانت بسورية في القرن التاسع
في سنة 810 اختلف أهل حمص على عاملهم إسحق بن سليمان، فانتقل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين، واستعمل مكانه عبد الله بن سعيد الحرسي فقاتل أهل حمص حتى سألوا الأمان فأمنهم، وفي سنة 829 ولى المأمون أخاه المعتصم على سورية ومصر وأكثر المأمون الترداد إلى دمشق، وفي سنة 839 غزا توافيل ملك الروم سورية فأخذ سيمساط ونهبها، وصنع كذلك بزبطرة فهب المعتصم لمقاومته وحاصر عمورية مدينة بغلاطية، ففتحها عنوة وأحرق دورها، وكانت أعمر مدينة في المشرق، وخرج في أيام المعتصم رجل بفلسطين اسمه أبو حرب المبرقع اليماني سنة 842، وقتل جنديا سطا على حرمه وهرب وألبس وجهه برقعا، وقصد بعض جبال الأردن ... وكان يظهر في النهار متبرقعا وأظهر الزهد والورع، وكان يعيب الخليفة فاستجابه قوم من فلاحي تلك الناحية، وكان يزعم أنه من بني أمية ثم ضوى إليه جماعة من رؤساء اليمانية، ودرى المعتصم بأمره، فأرسل إليه ألف رجل مع رجاء الحضاري، فلم يرد أن يواقعه لكثرة ما رأى عنده من الرجال، ومات المعتصم فعاد رجاء إلى قتال المبرقع في أيام الواثق فقاتله، وشتت شمله وأخذه أسيرا.
وفي سنة 842 ثار القيسية بدمشق في بدء خلافة الواثق، وعاثوا وأفسدوا وحصروا عاملهم بدمشق، فأرسل الواثق إليهم عسكرا مع رجاء المذكور وقاتلهم بمرج راهط، فقتل من القيسية نحو ألف وخمسمائة رجل وانهزم الباقون.
وفي سنة 859 سار المتوكل إلى دمشق، وعزم على المقام بها، ونقل دواوين الملك إليها، ثم استوبأ دمشق فرجع إلى سامراء.
وفي سنة 852 وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافقي، فأخرجوه وقتلوا من أصحابه، فوكل المتوكل مكانه محمد الأنباري فعسف بهم فوثبوا به، فأمده المتوكل بجند فظفر بهم وقتل منهم جماعة وأخرج النصارى من المدينة، وهدم كنائسهم وأدخل إحداها بجامع كانت تجاوره.
وأهم ما كان بسورية في هذا القرن تولية أحمد بن طولون على سورية ومصر واستبداده بولايتهما، ففي سنة 867 ولى المعتز عيسى بن الشيخ بن السليك من ولد جساس بن مرة على الرملة، واستغرض شقيا كان بالعراق، فتغلب على دمشق وأعمالها وقطع ما كان يحمل من سورية إلى الخليفة، ثم ولى المعتز أحمد بن طولون على مصر سنة 869، ومات ماجور والي دمشق سنة 878، فسار ابن طولون من مصر فملك دمشق ثم حمص ثم حماة ثم حلب، وسار إلى أنطاكية فحارب سيما الطويل واليها فقتله ودخل أنطاكية عنوة واستبد بولاية مصر وسورية، وأمر المعتمد على الله بلعن أحمد بن طولون على المنابر، فأمر ابن طولون بلعنه كذلك في جميع أعمال ولايته، ومع ذلك كتب المعتمد إلى ابن طولون يشكو إليه حاله من أخيه الموفق الذي كان متحكما به، فأشار عليه ابن طولون أن يأتي إليه إلى مصر، فينتصر له على أخيه، وهم المعتمد بالمسير إلى مصر فمنعه منه بعض ذويه.
وسنة 884 توفي أحمد بن طولون وهو الذي بنى قلعة يافا، والجامع المعروف به بمصر وخلفه خمارويه ابنه فقام بملكه أحسن قيام، وانتقض عليه أهل دمشق، فردهم إلى طاعته، ولكن سار إسحق بن كنداج والي الموصل ومحمد بن أبي الساج والي الأنبار بإمداد الخليفة، واستحوذا على أنطاكية وحلب وحمص، ثم على دمشق بخيانة عاملها، فسير خمارويه الجيوش من مصر إلى سورية، فاستردوا دمشق وساروا إلى شيزر حيث كان أعداؤهم، وهجم الشتاء فتفرقوا في المنازل بشيزر وأتى عسكر العراق نجدة لأعدائهم، فكبسوهم في المنازل وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وسار أمير جيش العراق فملك دمشق سنة 885، وخرج خمارويه بعساكره من مصر، وقدم المعتضد أمير جيش العراق إلى الرملة، وكان قتال شديد بين الجيشين أفضى إلى انهزام المعتضد إلى دمشق، فلم يفتح له أهلها أبوابها فسار حتى ترسيس، وانبسطت ولاية خمارويه من مصر إلى ترسيس ثم إلى الجزيرة والموصل بسبب عداوة وقعت بين واليهما ووالي الأنبار المذكورين وإنجاد خمارويه لوالي الأنبار حتى استولى على الجزيرة والموصل، وخطب لخمارويه فيهما، ثم انتقض هذا الوالي سنة 889 على خمارويه فسار إليه خمارويه بعساكره، فكان بينهما قتال في جهة دمشق دحر به ابن أبي الساج الوالي المذكور، فانهزم إلى حمص ثم إلى حلب ثم إلى الرقة وخمارويه في أثره إلى الموصل، ثم عاد إلى دمشق، ولما بويع المعتضد بالخلافة راسله خمارويه بأن يزوج ابنه على بنته قطر الندى ... فقال المعتضد: «أنا أتزوجها.» فزفها إليه، وفي سنة 896 قتل خمارويه بدمشق قتله بعض خدامه، وبايع قواد جيش خمارويه ابنه المسمى جيشا، وكان صبيا فقتله بعض جنده وأقعدوا أخاه هرون في الولاية سنة 897، وظهر القرامطة في الكوفة وسار بعضهم إلى دمشق، وجمع جموعا من العرب، وحاصروا دمشق فصالحهم أهلها على مال، وأخذوا حمص وحماة والمعرة وسلمية وبعلبك وقتلوا كثيرين، وأرسل المكتفي جيشا سنة 905، فانتصر على القرامطة واستولى على دمشق وسار إلى مصر، ففارق هرون بن خمارويه كثيرون من قواده، ولحقوا بعسكر الخليفة فخرج هرون بمن بقي معه، فكانت وقعات بينه وبين عسكر الخليفة، ثم وقعت خصومة بين عسكر هرون فركب ليخمد الفتنة، فقتله بعض المغاربة وقام بالأمر بعده ابن عمه شيبان، ولم يستطع مناصبة عسكر الخليفة وفر ليلا فاستولى محمد بن سليمان قائد جيش الخليفة على مصر، وقبض على بني طولون، وحملهم إلى بغداد وكتب إلى المكتفي بالفتح، وهكذا انقرضت دولة بني طولون من سورية ومصر. (3) في المشاهير بسورية في القرن التاسع
صفحه نامشخص