في أهم الأحداث التي كانت في هذا القرن (1) في حملة تيمور لنك على سورية
تيمور لنك غاز من التتر يتصل نسبه من جهة النساء بجنكزخان أول ملوك المغول، وتأويل تيمور بالتركية الحديد، ولنك الأعرج، فهذا كان خاضعا لأحد خانات التتر إلى أن سمى نفسه خانا سنة 1370، وأخضع لسلطته ما جاوره من البلاد وملك خراسان وأصفهان، واجتاح بلاد فارس والعراقين والجزيرة، وقصد الهند أيضا سنة 1397، ثم سار إلى سوريا سنة 1400، فكتب الملك الناصر بن برقوق إلى نواب السلطنة بسورية أن يجمعوا العساكر إلى حلب.
وبلغ تيمور لنك إلى عينتاب وحاصرها ففر نائبها إلى حلب، وكتب تيمور منشورا إلى النواب ليذعنوا لسلطانه ويخطبوا باسمه، ويرتدعوا عن القتال فلم يجيبوه وحصنوا حلب فرحل تيمور بعساكره إليها، وألحم الفريقان الحرب فكانت سجالا في اليوم الأول، وفي الغد انكسر الحلبيون وولوا الأدبار فتبعهم أصحاب تيمور يثخنون فيهم حتى ازدحموا في الأبواب، وداس بعضهم بعضا وتشتت الباقون ودخلت عساكر تيمور المدينة، فقتلوا كل من وجدوا غير مشفقين على رضيع أو شيخ أو امرأة، واعتصم النواب بالقلعة فحاصرها تيمور حتى استأمنوا إليه، وقبض على نواب دمشق وصفد وغزة وغللهم بالقيود، وخلع على تمرداش نائب حلب؛ لأنه سعى بتسليم القلعة ونهب المدينة وقصد دمشق ولم يبلغ المعرة حتى جفل أهل دمشق وتشتتوا، وأرسل تيمور ابنيه إلى حماة فطاعهما أهلها وأقاما فيها نائبا من قبل أبيهما، وبعد أن رحلا عن المدينة قتل الأهلون النائب، فرجع الأميران إليها فقتلا ونهبا وأحرقا أكثر البيوت، وملكوا القلعة وأهلكوا من كان فيها، ولما بلغ تيمور إلى حمص خرج إليه أحد وجهائها، وقدم له تقادم فاخرة فعفا عن المدينة، ثم نزل على بعلبك فدان له أهلها ومع ذلك أمر بنهبها والتنكيل بأهلها وبلغ إلى دمشق، وكان الملك الناصر قد سبقه إليها بعساكره، فحل تيمور بداريا وكانت مناوشات بين الجيشين، ودخل الخلاف بين عساكر السلطان فعاد بعضهم إلى مصر، وخاف هو فاعتزل ليلا عائدا إلى مصر بطريق بقاع العزيز، فاحتاط تيمور المدينة بعساكره فملكها وقتل أعيانها وسبى نساءها، وأحرق الجامع الأموي وكان فيه جم غفير من النساء والأطفال، فهلكوا جميعا وأخرب المساجد والمدارس ودك القلعة، وارتكب جنوده الفظائع، وأسر كثيرين من وجهائها وعذبهم، وقبل أن يخرج من دمشق جاء الجراد، فأتلف النبات والشجر وحصلت مجاعة وغلاء فاحش وجاء الوباء ثالثة الأثاقي، وسار تيمور عن دمشق إلى جهة ماردين وبغداد، فملكها سنة 1401 وحارب بايزيد السلطان العثماني فأسره سنة 1402، ثم أرسل هدايا نفيسة إلى الملك الناصر وخرج معتذرا عما كان منه بسورية، ووقع الصلح بينهما سنة 1404 وحمل تيمور على السلطان العثماني، فهلك في الطريق سنة 1405 وأفرد شهاب الدين أحمد الدمشقي المعروف بابن عرب شاه كتابا لتاريخ تيمور سماه عجائب المقدور في أخبار تيمور طبع بمصر سنة 1305. (2) في باقي ما كان بسورية في أيام الملكين الناصر والمؤيد
بعد أن ارتحل تيمور عن سورية اهتم الملك الناصر بتجديد ما دمر فيها، وفي سنة 1405 كانت فتنة بين الأمراء بمصر، فخاف هذا الملك على نفسه واختفى فولى القضاة والأمراء أخاه، وسموه الملك المنصور ثم ظهر الملك الناصر، وعاد إلى عرش ملكه وقبض على أخيه المذكور وحبسه بالإسكندرية، وفي السنة المذكورة وثب يعبر أمير العرب على دمشق، فالتقاه نائبها والتحم القتال فانهزم النائب، واستولى يعبر على دمشق فخرج إليه الملك الناصر فأزاحه عن دمشق والبلاد الشامية، وجدد بناء الجامع الأموي، وفي سنة 1409 كان طاعون شديد الوطأة، واتفق فيها الأمير شيخ ونائب الشام وغيرهما على العصيان فخرج إليهم الناصر، ووصل بعساكره إلى اللجون بقرب الناصرة ... فكان قتال بينهم وبين العصاة، فظهروا على الناصر وانهزم إلى دمشق فحاصروه بقلعتها إلى أن طلب الأمان فأمنوه، وقبضوا عليه وسجنوه وأقاموا دعوى عليه بالقتل وحكموا عليه بالإعدام، فقتلوه سنة 1412 وأسندوا السلطة إلى الخليفة العباسي المستعين بالله، فكان خليفة وسلطانا، ثم أحب الجراكسة أن لا تخرج السلطنة منهم، فأقاموا سلطانا الأمير شيخ المذكور وسموه الملك المؤيد.
وكان الأمير شيخ من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتراقى المراتب، وبعد استقراره بالسلطنة قبض على جماعة من الأمراء، وأرسلهم إلى السجن بالإسكندرية فاستقامت الأمور، وفي سنة 1413 ثار عليه نوروز الحافظي الذي كان شريكه في العصيان، وأخذ يخطب باسم الخليفة العباسي ووضع يده على البلاد الشامية من غزة إلى الفرات، فسار إليه الملك المؤيد بالعساكر المصرية سنة 1414، فحاصره في دمشق وأرغمه أن يسلم نفسه إليه، فقطع رأسه وأرسله إلى القاهرة، فعلق على باب زويلة ثلاثة أيام، ونصب المؤيد قيناي المحمدي نائبا بدمشق والأمير إينال نائبا بحلب والأمير سودون بأطرابلس والأمير جاني بك بحماة وعاد إلى مصر.
وبعد عوده جاهر النواب المذكورون بالعصيان، فعاد عليهم بالعساكر وحاربهم وانتصر عليهم، وقتل نائب دمشق ونائب حلب وولى غيرهم، ورجع إلى مصر فخامر النواب عليه وأظهروا العصيان، فسار إليهم فهربوا من وجهه إلى قرا يوسف أمير التركمان، فأقام الملك نوابا غيرهم ممن وثق بهم فصفا له الزمان، وفي سنة 1421 مرض المؤيد وأدركته الوفاة. (3) في أحداث أخرى بسورية إلى أيام الملك العزيز
بعد وفاة الملك المؤيد أقام مماليكه ابنه، وسموه الملك المظفر وأجلسوه على سرير الملك، وهو في حجر المرضعة، وجاءت الأخبار بأن جقمق الأرغوني نائب دمشق قد خرج عن الطاعة، ومثله يشبك المؤيدي نائب حلب وغيرهما، وكان الأتابكي الطنبغا بالشام، فجمع العربان وعسكره وزحف بهم إلى دمشق، فانكسر نائبها وانهزم إلى حلب، فملك الأتابكي دمشق، والتف العربان عليه فجعل الأمراء بمصر ططر أتابكي العسكر، فأخذ السلطان بمحفة ومعه أمه ومرضعته فحضر الطنبغا إلى الملك، وبرقبته منديل فقبل الأرض أمامه فقبض ططر عليه، وسجنه بقلعة دمشق، ثم قبض على جقمق وسجنه أيضا ، ثم أمر بخنقهما فخنقا ليلا وقتل جماعة من النواب، وسجن كثيرين من مماليك المؤيد فصفا الوقت لططر، وكثر المستقربون إليه فأقامهم في المناصب وقويت شوكته حتى سولت له نفسه أن يخلع الملك المظفر، فخلعه وبايعه الخليفة المعتضد بالله والقضاة الأربعة سنة 1421، ولقب الملك الظاهر وخطب باسمه على المنابر بدمشق ثم عاد إلى مصر، ومعه الملك المظفر فأرسله إلى السجن بالإسكندرية مع المرضعة ... ويقال: إن أم الملك المظفر دست له سما لما خلع ابنها فاعتل وتوفي سنة 1421 أيضا فلم يملك إلا ثلاثة أشهر وأياما.
وبعد وفاة الظاهر بويع ابنه بالسلطنة ولقب الملك الصالح، وكان عمره حينئذ إحدى عشرة سنة، وكان يدبر المملكة أتابك العساكر جاني بك الصوفي، فاستوحش لذلك باقي الأمراء، فقبض عليه الأمير برسباي وأرسله إلى السجن بالإسكندرية، وتولى الحل والعقد وتعصب له جماعة من الأمراء، فخعلوا الملك الصالح ونادوا باسم برسباي ملكا ولقبوه الملك الأشرف، وفي سنة 1425 جهز عسكرا لقتال ملك قبرس فبلغوا أولا إلى الماغوصة ثم الملاحة، فكان قتال شديد دارت فيه الدائرة على ملك قبرس، فنهبت عساكر الأشرف المدن وأسروا نحو سبعمائة رجل، وملكوا حصن لمسون وأسروا الملك نفسه وأتوا به إلى مصر ... وأمر السلطان بسجنه، ثم اتفق معه على أن ملك قبرس يدفع له مائتي ألف دينار مائة وهو بمصر، ومائة بعد عوده إلى قبرس، فأفرج الأشرف عنه وعاد إلى ملكه وأمر الأشرف أن تعلق خودته على باب المدرسة الأشرفية التي كان قد بناها، وبقيت معلقة ذكرا للأشرف، وفي سنة 1432 خرج الأشرف إلى سورية لقتال قرا ملك أمير التركمان، وبلغ إلى حلب وقصد آمد وحاصرها إلى أن وقع الصلح بينهما، وحلف قرا ملك أن لا يعتدي على أملاك السلطان فعاد السلطان إلى مصر، وقيل: إن الأشرف ظفر وقتئذ بعدوه وقتله، واستأصل أمواله وتوفي الأشرف سنة 1437. (4) في ما كان بسورية في أيام العزيز إلى أيام الملك الناصر
كان الأشرف قبل وفاته قد عهد بالملك إلى ابنه يوسف، فبويع بالسلطنة يوم وفاته ولقب الملك العزيز، وكان الأتابكي جقمق يدبر الملك، فدبت عقارب الفتنة بينه وبين الأمراء الأشرفية، وتعصب له بعض الأمراء فانتشب القتال ، وانكسر الأمراء الأشرفية، وتبددوا فخلع جقمق ومحازبوه الملك العزيز، وأخذ جقمق الملك وسمى الملك الظاهر واختفى الملك العزيز، ثم قبض عليه وأرسل إلى السجن بالإسكندرية، وفي سنة 1439 عصى إينال الجكمي نائب دمشق على الملك الظاهر، وتابعه نائب حلب فأرسل إليهما العساكر، فانتصرت عليهما وقطعت دابرهما، وفي سنة 1445 توفي الأمير عز الدين صدقة التنوخي من أمراء غرب بيروت، وكان قد تولى الدرك في ساحل سورية من أطرابلس إلى صفد، وكان بينه وبين الأمراء أولاد الحمرة الذين أتوا من البقاع، وتوطنوا بيروت عداوة، وتوفي الملك الظاهر جقمق سنة 1453.
وكان قد عهد بالملك إلى ابنه عثمان، فجلس على سرير السلطنة بعد وفاته وسمي الملك المنصور، ولكن لم يدعه إينال العلائي أتابك العساكر يملك إلا ثلاثة وأربعين يوما، وخلعه وأرسله إلى السجن بالإسكندرية، وأخذ هو الملك وسمي الملك الأشرف وجلع أقبردي الظاهري نائبا، وقرر جلبان نائب دمشق على نيابته، ولما توفي سنة 1455 نصب مكانه قاني باي الحمزاوي نائب حلب قبلا، وقبض على يشبك النوروزي نائب أطرابلس، وسجنه بقلعة المرقب ونصب مكانه إينال اليشبكي، وفي سنة 1458 توفي قاني باي نائب دمشق المذكور، فنصب مكانه جانم الأشرفي، وفي سنة 1460 توفي الملك الأشرف المذكور، وكان قد عهد بالملك إلى ابنه أحمد، فخلفه به بعد وفاته، وسمي الملك المؤيد، ومالت إليه النفوس، ولكن وقع الخلاف بين الأمراء فكانت حرب بينهم، ووثب عليه مماليك أبيه أنفسهم فانهزم إلى القلعة، فخلعوه وبايعوا بالسلطنة خشقدم الأتابكي وسموه الملك الظاهر، وأرسل الملك المؤيد سالفه وأخاه إلى السجن بالإسكندرية ... وخشقدم أصله مملوك رومي اشتراه الملك المؤيد شيخ، وأعتقه وبعد أن تسلطن كان جانم نائب دمشق المذكور قد قصد مصر بطلب بعض الأمراء له؛ ليصيروه سلطانا فأرجعه الملك الظاهر إلى نيابته، وأمر نائب قلعة دمشق أن يقبض عليه فهرب بعياله فنصب مكانه تنم المؤيدي.
صفحه نامشخص