مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
ژانرها
فرضياتنا.
يذهب البعض إلى أن انحياز التأييد قد يكون هو السبب من وراء الاعتقادات الاجتماعية «المخلدة لذاتها» أو «المحققة لذاتها»، وقد يكون سبب هذا الانحياز هو أن الذهن البشري بحكم تكوينه يجد صعوبة في «معالجة»
الإشارات السالبة أكثر مما يجده في معالجة الإشارات الموجبة.
35 (6) الجرجاني يومئ إلى مبدأ اعتباطية العلامة
لا نعدم من علماء العربية القدامى من نظر إلى اللغة نظرة أعمق، واستكنه جوهر الظاهرة اللغوية، وتفطن إلى اعتباطية العلامة اللغوية بحد ذاتها؛ فهذا عبد القاهر الجرجاني في «دلائل الإعجاز» يقول في مفتتح الفصل الثالث: «ومما يجب إحكامه بعقب هذا الفصل الفرق بين قولنا حروف منظومة وكلم منظومة؛ وذلك أن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط وليس نظمها بمقتضى عن معنى (أي ليس واجبا لمعنى اقتضاه) ولا الناظم لها بمقتف في ذلك رسما من العقل اقتضى أن يتحرى في نظمه لها ما تحراه. فلو أن واضع اللغة كان قد قال «ربض» مكان «ضرب» لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساد. وأما نظم الكلم فليس الأمر فيه كذلك؛ لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني وترتبها على حسب ترتيب المعاني في النفس، فهو إذن نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وليس هو النظم الذي معناه ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق ...»، ويقول بمعرض بيان الإعجاز في نظم الكلم لا في الكلم ذاته: «فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلم مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة، وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر ...»
36
كان الجرجاني حقا ثاقب الفهم لطبيعة الظاهرة اللغوية، ومستبقا لكثير من أفكار دي سوسير وفتجنشتين وسواهما . يقول الجرجاني في الفصل قبل الأخير من «الدلائل»: «اعلم أن ها هنا أصلا أنت ترى الناس فيه في صورة من يعرف من جانب وينكر من جانب آخر، وهو أن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد، وهذا علم شريف وأصل عظيم (علم التراكيب
Syntactics ) والدليل على ذلك أنا إن زعمنا أن الألفاظ التي هي أوضاع اللغة إنما وضعت ليعرف بها معانيها في أنفسها، لأدى ذلك إلى ما لا يشك عاقل في استحالته، وهو أن يكونوا قد وضعوا للأجناس الأسماء التي وضعوها لها لنعرفها بها حتى كأنهم لو لم يكونوا قالوا: رجل وفرس ودار، لما كان يكون لنا علم بمعانيها، وحتى لو لم يكونوا قالوا: فعل ويفعل، لما كنا نعرف الخبر في نفسه وفي أصله، ولو لم يكونوا قالوا: افعل، لما كنا نعرف الأمر من أصله ولا نجده في نفوسنا، وحتى لو لم يكونوا قد وضعوا الحروف لكنا نجهل معانيها؛ فلا نعقل نفيا ولا نهيا ولا استفهاما ولا استثناء. وكيف والمواضعة لا تكون ولا تتصور إلا على معلوم، فمحال أن يوضع اسم أو غير اسم لغير معلوم، ولأن المواضعة كالإشارة فكما أنك إذا قلت: خذ ذاك، لم تكن هذه الإشارة لتعرف السامع المشار إليه في نفسه ولكن ليعلم أنه المقصود من بين سائر الأشياء التي تراها تبصرها، كذلك حكم اللفظ مع ما وضع له، ومن هذا الذي يشك أنا لم نعرف الرجل، والفرس، والضرب، والقتل إلا من أساميها؟ لو كان لذلك مساغ في العقل لكان ينبغي إذا قيل: زيد، أن تعرف المسمى بهذا الاسم من غير أن تكون قد شاهدته أو ذكر لك بصفة.»
37
النظم إذن هو مقصد المفردات، ومناط المعنى، وجوهر الفصاحة. (7) الضرورة السيكولوجية في علاقة الدال/المدلول
صفحه نامشخص