مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
ژانرها
3
كان هذا الرأي حول الازدواجية اللغوية، الذي تلخصه فقرتا الأستاذ العقاد والدكتور وافي، سائدا بين الكثير من النخبة المثقفة في النصف الأول من القرن العشرين، إذ كانت «النهضة» في أوجها و«التنوير» يمضي في عنفوانه مطمئنا إلى نتائجه واثقا من مآله،
4
وأقرب ما ننعت به هذا الرأي المتفائل هو أنه «يحل المشاكل بإنكارها»، نعم، في كل أمة لغة عامية ولغة فصحى، ولكن الفجوة بين العامية والفصحى في لغتنا ليست كنظيراتها في اللغات، إن بين عاميتنا وفصحانا فروقا صوتية ونحوية وصرفية ومعجمية تجعل منهما، بقليل من التجوز، لغتين منفصلتين،
5
كان هذا واضحا حتى لابن خلدون (في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي) الذي يقول في «المقدمة»: «اعلم أن عرف التخاطب في الأمصار وبين الحضر ليس بلغة مضر القديمة ولا بلغة أهل الجيل، بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها بعيدة عن لغة مضر وعن لغة هذا الجيل العربي الذي لعهدها، وهي عن لغة مضر أبعد، فأما أنها لغة قائمة بنفسها فهو ظاهر، يشهد له ما فيها من التغاير الذي يعد عند صناعة أهل النحو لحنا.»
6
ثمة نسقان نحويان متعارضان في قلب العربية: النسق الإعرابي المرن في الفصحى، ونسق إسقاط الإعراب والاعتماد على الترتيب المقيد لعناصر الجملة في العامية، يمثل هذان النسقان مرحلتين نحويتين في تطور اللغة. وثمة فروق أخرى كبيرة: تخفيف الصوامت الثقيلة في النطق، إلغاء الحروف الأسنانية (الظاء والذال والثاء )، تقديم الفاعل على الفعل، الاستفهام دون حرف استفهام اعتمادا على تغيير مواضع النبر ... إلخ.
في بحث بعنوان «لسان العرب اليوم» المقدم إلى مجمع اللغة العربية عام 1961، يعرض الأستاذ أمين الخولي لتاريخ الصراع بين الفصحى والعامية عبر الزمن، ويخلص إلى مواقف عملية في تقريب اللغتين وصولا للوحدة، ومنها الأخذ من فصيح العامية وتعميم استعماله، وأخذ المجمع من الحياة وعدم الاكتفاء بإعطائها، وفي مناقشات الأعضاء للبحث يعقب الدكتور إبراهيم مدكور بقوله: «... لغة التخاطب تختلف نوعا ما عن لغة الكتابة في كل أمة وفي كل حضارة ... أما توحيد هاتين اللغتين فلا محل له بحال، ولا يتفق مع علم اللغات المقارن في شيء ...» وفي تعقيب الأستاذ أمين الخولي على التعقيب يقول: «... الصحيح أن الفرق هو بين لغة الأدب ولغة الحديث، أما الفرق (بين لغة الكتابة ولغة الحديث) في اللغات الأجنبية فمعدوم أو كالمعدوم ...» ويكفي أن يقارن المرء بين لغة فيلم إنجليزي ولغة نشرة إنجليزية ليدرك صواب الشيخ أمين الخولي فيما ذهب إليه: فليس بين عامية الإنجليز وفصحاهم فرق نوعي يذكر. (1) تجربة من مختبر الحياة
معيار اللهجة إمكان التفاهم: فمحك التفرقة بين اختلاف اللهجتين واختلاف اللغتين هو إمكان الفهم المتبادل، بمعنى أن صاحبي اللهجتين المختلفتين يفهم أحدهما الآخر، بعكس صاحبي اللغتين المختلفتين. إذا كان هذا هو المحك فإن لدينا دليلا حيا على أن عاميتنا وفصحانا هما لغتان منفصلتان، وهو أن دارسي العربية الفصحى من الأجانب لا يفهمون شيئا إذا أنت حدثتهم بالعامية الخالصة، يعرف ذلك كل من أتيح له هذا المشهد الطريف وتعامل مع أشخاص أجانب ممن درسوا العربية في جامعاتهم وأتقنوها. ولسوف يضطر إلى التخاطب معهم بالفصحى، حتى في أمور الحياة اليومية؛ لكي يفهموا عنه! هذه تجربة سديدة بوسعك إجراؤها في مختبر الحياة و«إعادة إجرائها»
صفحه نامشخص