ومع أن الاضطرابات التي حدثت في أوائل هذا العهد كانت فرصة سانحة لبعض المغرضين للحط من كفاية الحكومة المصرية، والعمل على الاستفادة منها بتحريض بريطانيا على التدخل بحجة حماية أرواح الأجانب وأموالهم، فقد استطعت أن أعالج الموقف بما حفظ للبلاد حقها وكرامتها، وأذكر في ذلك أنه في خلال هذه الاضطرابات بعث المستر بيلي رئيس الاتحاد البريطاني في مصر خطابا إلى المستر رمزي ماكدونالد، رئيس الوزارة البريطانية يندد فيه بسياسة اللين مع مصر، ويشير إلى أن هذه السياسة قد أفقدت بريطانيا هيبتها بين المصريين، ويطالب بقفل باب المفاوضات، وبتعين مجلس استشاري لتقوية مركز المندوب السامي البريطاني.
وقد أعقب ذلك أن سأل المستر بلدوين زعيم المحافظين المستر ماكدونالد في 16 يوليو بمجلس العموم، عما إذا كان لديه تصريح يلقيه عن الحالة في مصر ، فألقى تصريحا جاء فيه:
لما ظهرت بوادر الأزمة الدستورية الحالية في مصر أرسلت حكومة صاحب الجلالة تعليماتها إلى المندوب السامي، أن يراعي في خطته الحياد الدقيق التام، وإن كانت قد تركت له الحرية - دون الخروج عن هذا الموقف - أن يذكر الفريقين بالجو الطيب، الذي انتهت فيه مفاوضات المعاهدة.
وقبل أن تصل إلى لندن الأنباء، التي يؤسف لها عن حوادث الإسكندرية كانت التعليمات قد أرسلت إلى المندوب السامي؛ لكي يبين بصريح العبارة أن حكومة جلالته لا تنوي أن تتخذ أداة ما للاعتداء على الدستور المصري، وعلى ذلك لا يمكن أن يكون لها ضلع في تغيير قانون الانتخاب.
ونظرا للحوادث التي وقعت أمس أرسلت التعليمات إلى المندوب السامي؛ ليبلغ دولة صدقي باشا أننا لا بد أن نعده مسئولا عن حماية أرواح الأجانب وممتلكاتهم في مصر، وقد كلف السير برسي لورين أيضا بأن يبلغ النحاس باشا أنه يجب أن تحل مشاكل مصر الداخلية، دون أن تتعرض أرواح الأجانب للخطر، وأننا نعده كذلك مسئولا مع الحكومة ...!
ردي على التبليغ
عجبت لهذا التصريح من رئيس وزارة مسئول، وزاد عجبي لهذا التبليغ الذي أرسلته إلى الحكومة البريطانية عن طريق المندوب السامي، وأشركت فيه النحاس باشا في المسئولية مع أنه بعيد عن الحكم، فأسرعت بالرد على هذا التبليغ بما أسجل للتاريخ خلاصته فيما يلي:
ترى الحكومة المصرية في التبليغ الذي تفضلتم بإرساله إلي، أن الموقف الذي اتخذته الحكومة البريطانية أخيرا لا يكاد يتفق مع تصريحاتها المتكررة، بأنها ستراعي بالنسبة لمسائل مصر الداخلية، مقتضيات الحياد الدقيق، فإن ذلك التبليغ في الحين الذي يشير فيه إلى تصريح 28 فبراير، ويراه مانعا كل تدخل في مسألة داخلية محضة كالمسألة الدستورية يعقب بأن الحكومة لا تنوي أن تكون أداة للاعتداء على الدستور، وقد يكون لإعلان نية الحكومة البريطانية محل لو أن الحكومة المصرية التمست معونتها في تنفيذ ذلك الغرض، ولكنها لم تفعل وما كان لها ومصر دولة مستقلة أن تفعل ذلك.
فذلك الإعلان من جانب الحكومة البريطانية لا يمكن أن يؤول إلا على أنه تدخل بمعنى معين في تلك الشئون الداخلية، التي لم ينكر تصريح 28 فبراير نفسه حق مصر المطلق في التصرف فيها.
وقد ذكرت لسعادتكم - وأتشرف بأن أعيد ما ذكرت - بأن المحافظة على أرواح الأجانب في مصر، وعلى طمأنينتهم ومصالحهم كانت منذ الساعة الأولى في صدر ما عنيت به وزارتي من الشاغل ... وتلقاء شعوري بواجب حمايتهم، وثقتي بما أملك من الوسائل، لم تحدثني نفسي لحظة بأن أتخلى عن المسئوليات التي أشار إليها تبليغ الحكومة البريطانية، وإن لم يكن من شأن ذلك التبليغ أن يسهل علي أداء مهمة اعتزمت على أي حال القيام بها إلى النهاية ...
صفحه نامشخص