وقد حدث في اليوم التالي ما تنبأت به، فعهد إليه الخديو عباس تأليف الوزارة الجديدة، فكان هو للرياسة والخارجية والداخلية، وأحمد حشمت باشا للحقانية، ويوسف سابا باشا للمالية، وإسماعيل سري باشا للأشغال والحربية، وخرج سعد زغلول باشا وفخري باشا من الوزارة.
وعين نجيب غالي نجل بطرس باشا وكيلا للخارجية، وأنعم عليه بالباشوية، وعينت أنا وكيلا للداخلية، وأنعم علي بالباشوية أيضا، وألغيت وظيفة السكرتير العام لهذه النظارة.
كتشنر وخطابه أمام الخديو
كان السير الدون غورست في ذلك الحين معتمدا لبريطانيا في مصر، وقد ساءت صحته في أواخر عهده، فتوفي يوم 13 يوليو سنة 1911، وجاءتنا الأنباء على إثر وفاته بتعيين اللورد كتشنر في مصر خلفا له، وكان وقتئذ في لندن، فأثار تعيينه قلقا في الدوائر السياسية والوطنية؛ لأنه كان رجلا عسكريا، جاف الطبع، ويميل إلى التدخل في شئون مصر الداخلية.
وقبل حضوره إلى مصر في سفينة حربية أرسلت الوكالة البريطانية صورة من الخطاب الذي كان ينوي إلقاءه أمام الخديو، وإذا به يشتمل على معان تفيد رغبته في التدخل في صميم شئون مصر.
كان هذا الخطاب غريبا ومحرجا للخديو وللوزارة، فدعا محمد سعيد باشا رئيس الوزارة حسين رشدي باشا وسعد زغلول باشا في منزله برمل الإسكندرية؛ للتشاور فيما يكتب للرد على المعتمد البريطاني، ثم استدعاني سعيد باشا فذهبت إليه، وأخذنا نتشاور في الأمر لمعالجة الموقف بطريقة لا تضر مصلحة البلاد، ولا تحملها فوق ما حملت من أعباء الاحتلال وسياسة المحتلين ... وكلفني سعيد باشا بكتابة الرد، فوضعته بالفرنسية، وكان هذا الرد هو الذي ألقاه الخديو، واشتمل على كل ما اقتضته الحال من بيان لموقف مصر فيما يختص بمحافظتها على كيانها الداخلي.
كتشنر يهدد الخديو بالعزل
على الرغم من رفضنا لتدخل اللورد كتشنر، وخطابه الذي ألقاه أمام الخديو، فإنه كان لا يأبه بذلك، وكان يتدخل في شئون مصر الداخلية، وقد كان تدخله مقصودا لمحاربة الخديو وتوطيد سياسة الاحتلال، وأذكر أنه على إثر تعيينه كتبت جريدة المورننج بوست تقول:
إن اللورد كتشنر قد عين في هذا المنصب؛ لأنه من أعظم الذين وضعوا أساس مركزنا في مصر، واشتغل في عمل عظماء رجال الإدارة الذين كانوا قبله ... إن مهمة اللورد كتشنر أن يعيد النظام، وأن ينشر التمدن مع محو الارتباك، وإيجاد حكومة جديدة ...
والحقيقة أن الرجل كان ينزع إلى الإصلاح، ولكنه يتخذ الإصلاح وسيلة لتدعيم الاحتلال، ونشر النفوذ البريطاني في البلاد.
صفحه نامشخص