أليس هذا المستند الذي يرجع إلى بضعة آلاف من السنوات، مما لم تفز به دولة أخرى غير مصر في صدد الدفاع عن حقها أمام شره الطامعين؟!
أغراض المعاهدة
كانت المادة الثانية من مشروع المعاهدة، وهي المتعلقة بالأغراض التي توخاها الطرفان من ربط بعضهما ببعض لدرء العدوان، محل بحث مستفيض في لندن، أدى بحمد الله إلى تحقيق وجهة النظر المصرية، وحصر التدخل البريطاني في أضيق الحدود، وقصر المعاونة المصرية على ما هو لازم لمصلحة مصر صونا لحقوقها هي وذودا عن حدودها ...
ويذكر القارئ أن الجانب البريطاني كان يلح قبل ذهابنا إلى لندن في قبول مصر لنظرية التدخل متى وجدت حالة الخطر، ولاحت نوايا المعتدين ... وكان هذا الجانب يلح أيضا في مد التزامات مصر إلى حالة الاعتداء على البلاد «المجاورة»، لا على البلاد «المتاخمة» ... أما الجانب المصري، فقد كان همه الأول عدم تعريض البلاد لعودة الجيوش البريطانية بعد جلائها؛ تذرعا بأسباب قد تكون من نسج الخيال، أو بناء على أوهام تقوم في أذهان البريطانيين نتيجة لانقلابات سياسية، أو نزاع دولي لا يمت إلى مصر بسبب. كذلك كان الجانب المصري شديد الرغبة في حصر التزاماته ضمن الحدود، التي رسمها ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى أن لا تتعدى المحالفة العسكرية مع إنجلترا الزمن الذي تصبح فيه جامعة الأمم قادرة على درء العدوان بوسائلها الخاصة. وأخيرا كان الجانب المصري يرمي بشدة إلى ضرورة إجراء مشاورات بين الحليفتين، قبل أن تتحرك جيوشهما؛ وذلك تمكينا لمصر من أن تقترح، أو تعمل على إيجاد الحلول التي تباعد بينها وبين المخاطر التي تجرها الحروب ...
وقد نجحنا في حمل البريطانيين على قبول جميع رغائبنا هذه، وأصبحت المادة الثانية من مشروع المعاهدة، بحيث جنبت مصر مواطن الأخطار جميعا، وحصرت التزاماتها في أضيق الحدود، بل مكنت من تحديد الصيغ تحديدا أدخل التحسين على مركز مصر، ما سيأتي الكلام عنه متى انتقلنا إلى موضوع المناقشات، التي جرت بمصر بعد عودتنا من رحلة لندن.
وسنتحدث في المقال القادم عن «لجنة الدفاع المشتركة» و«موعد الجلاء»، ثم نأتي بعد ذلك على نصوص مشروع المعاهدة، كما صيغت بلندن وعلى ملابساتها.
مفاوضاتي في لندن
لجنة الدفاع المشترك
كان لا بد لنا من بذل الجهود المستطاعة؛ لإبعاد ما رسخ في ذهن الكثيرين من أن هذه اللجنة قد يؤدي وجودها إلى شبه سيطرة، يستمدها مندوبو الدولة البريطانية من قوة دولتهم وعظم وسائلها، فترهق مصر بالمطالب من طريق الضغط على المصريين من أعضاء اللجنة، وهم أقل خبرة من زملائهم البريطانيين، وأبعد عن إدراك الملابسات السياسية والحربية ... وقد خشي الوفد المصري للمفاوضات أثر اشتغال اللجنة بدراسة الأحوال القائمة في البلاد القريبة من مصر ومبلغ الخطر منها على السلام؛ مما قد يجرنا من حيث لا نشعر في مشكلات قد تؤدي إلى الوقوع في المصاعب والمخاطر.
أدرك الجانب البريطاني بغير عناء كبير أن من حسن السياسة العمل على إزالة الوساوس القائمة في نفوس المصريين من هذه الناحية، فقبل المفاوضون الإنجليز ما عرضناه من النص الصريح على الصفة الاستشارية للجنة، وقبلوا ما هو أهم من ذلك، وأعني به عدم تعرض اللجنة «لبحث الأثر المترتب على الحالة الدولية»، إلا إذا طلبت الحكومتان منها ذلك وقدمتا لها المعلومات التي تعين على هذا البحث ... وواضح من مثل هذا القيد أنه لم يبق مجال لأن تتعرض اللجنة لاقتراحات، أو لأن تشير بتدابير لا يكون مصدرها الحكومات نفسها. فإذا ما وثقنا أنها لن تعمل عملا أو تدبيرا أيان كان خطره، إلا إذا كان بوحي من حكومة مصر وبموافقتها، امتنع كل داع للريبة من ناحية تصرفات اللجنة، التي يصبح عملها مقصورا على البحث الفني، واختصاصها بعيدا عن صفة التنفيذ.
صفحه نامشخص