معجز احمد
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
ژانرها
بلاغت
أقصر الرجل عن الأمر: إذا تركه. وقوله: فأربعا أراد فأربعن فأبدل النون ألفًا. ومعناه: أقم.
يقول: أقصر وأقم فقد تجاوزت الغاية من المجد، وبلغت مكانًا فوق النجم، فاترك سعيك فليس وراءه غاية. وقوله: فلست بمقصر. أي أقصر فإنك إذا قصرت بعد تجاوز الغاية فلست بمقصر في الحقيقة، إذ ليس بعد الغاية غاية. وقيل: أراد أقصر، أنا أعلم أنك لا تقصر، ولا تقبل مني ذلك.
وحللت من شرف الفعال مواضعًا ... لم يحلل الثقلان منها موضعا
وروى: من شرف المعالي.
يقول: قد نزلت من الشرف والكرم منازل كثيرة لا يقدر الثقلان أن ينزلوا واحدًا منها.
وحويت فضلهما وما طمع امرؤٌ ... فيه، ولا طمع امرؤٌ أن يطمعا
يقول: قد جمعت فضائل الجن والإنس، وما طمع أحد في ذلك الفضل؛ لأنه لم يكن في أحد من الخصال مثل ما فيك، ولا خطر ببال أحد.
نفذ القضاء بما أردت كأنه ... لك، كلما أزمعت شيئًا أزمعا
وروى: بعد القضاء.
يقول: إن القضاء يتصرف بإرادتك، فكأنه لك أي كأنه قضاؤك، وأنت تملكه، فكلما عزمت على شيء يعزم هو أيضًا عليه، متابعة لك.
وأطاعك الدهر العصي كأنه ... عبدٌ إذا ناديت لبى مسرعا
وروى: أرادك الدهر.
يقول: إن الدهر الذي لا يطيع أحدًا، أطاعك! حتى كأنه عبدك، إذ ناديت أجابك مسرعًا بالتلبية والإجابة.
أكلت مفاخرك المفاخر وانثنت ... عن شأوهن مطي وصفي ظلعا
ظلع: أي عجز.
يقول: إن مفاخرك أبطلت مفاخر الخلق، فكأنها أكلتها ورجعت مطيات وصفي عن غايات تلك المفاخر، ظالعة معييةً بها.
وجرين جري الشمس في أفلاكها ... فقطعن مغربها وجزن المطلعا
الهاء في أفلاكها ومغربها للشمس.
يقول: إن مفاخرك في الدنيا كجري الشمس، فقطعت المغرب وجازت المشرق وبلغت حيث تبلغ الشمس. وإنما قال: في أفلاكها أراد إجرائه.
لو نيطت الدنيا بأخرى مثلها ... لعممنها وخشين ألا تقنعا
نيطت: أي وصلت. كناية في عممنها للمفاخر. والثاني في ألا تقنعا. ويجوز أن يكون للخطاب، ويجوز أن يكون فعل المفاخر. وقوله: وخشين. يجوز أن يكون للمفاخر، ويجوز أن يكون فعل الدنيا الموصولة بدنيا أخرى وما فيها. فأورده على الجمع.
يقول: لو وصلت هذه الدنيا بأخرى مثلها لعمتها مفاخرك، وخشيت مفاخرك الدنيا وما فيها، ألا تقنع أنت ومفاخرك بها.
فمتى يكذب مدعٍ لك فوق ذا ... والله يشهد أن حقًا ما ادعى
روى: يكذب بالرفع على الاستفهام. والله بالواو وهو الأولى لأن ما بعده من البيت يدل عليه. وروى يكذب بالجزم على الجزاء. فالله بالفاء على الجواب. ومعناه على الاستفهام.
يقول: متى يمكن أن يكون من ادعى لك فوق الذي قلت مكذبًا؟! لأن الله يشهد أن ما ادعاه لك حق.
وعلى الجزم، معناه: متى ادعى لك مدع فوق هذا وكذب هذا المدعي، فالله يشهد أن ما يدعيه حق وأنه صادق.
ومتى يودي شرح حالك ناطقٌ ... حفظ القليل النزر مما ضيعا
النزر، والقليل: بمعنىً واحد. وجمع بينهما لاختلاف لفظهما، أو للمبالغة.
يقول: متى يقدر ناطق على شرح حالك؟! فإن علمه لا يحيط بكنه صفاتك، ومتى ظن أنه استوفى حالك، كان قد حفظ اليسير مما ضيع، فإن ما ضيعه كثير وما حفظه يسير.
إن كان لا يدعى الفتى إلا كذا ... رجلًا فسم الناس طرًا إصبعا
تقديره: إن كان لا يدعى الفتى رجلًا إلا كذا، فالفتى؛ اسم ما لم يسم فاعله، ورجلًا خبره، وطرًا نصب على الحال. وقيل: على المصدر. أي: فسم الناس إذا طررتهم طرًا: أي جمعتهم جمعًا.
يقول: إن كان لا يدعى الفتى رجلًا إلا إذا كان مثل هذا الممدوح، فيجب أن تسمى جميع الناس إصبعا؛ لأنهم بالإضافة إليه كالإصبع من الجسد، فإذا كان اسمه رجلًا، فاسمهم كلهم الأصبع.
أو كان لا يسعى لجودٍ ماجدٌ ... إلا كذا فالغيث أبخل من سعى
قوله: فالغيث أبخل من سعى ومن للعقلاء، والغيث ليس منهم؛ وإنما حسن ذلك لوجهين: أحدهما: لأن المعنى أبخل الساعين، وهذا يعم من يعقل ومن لا يعقل، فغلب من يعقل كقوله تعالى: " والله خلق كل دابةٍ من ماءٍ " إلى آخره.
والثاني: وهو أن السعي لما كان من صفات العقلاء وقد استعمل في الغيث، أطلق عليه لفظ العقلاء لقوله تعالى: " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ".
1 / 103