مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
ثم تفرقوا بعد ذلك في الشرقية والقليوبية، وهاجموا بلبيس ونهبوها، كما هاجموا ونهبوا قليوب واضطر كاشف القليوبية إلى الهرب إلى بولاق، ثم اتخذوا مركزهم العام في بركة الحاج، يبعثون منه بالعربان إلى نواحي القاهرة؛ حيث وقعت بينهم وبين الأرنئود عدة مناوشات، بينما انتشر حوالي نصف المماليك يعيثون فسادا في قرى الوجه البحري، وفي 17 مايو التحم الأرنئود معهم في معركة في سهل مكشوف انهزم فيها الأرنئود، واحتفظ كل من الفريقين بمواقعه، المماليك في بركة الحاج والأرنئود عند أبواب القاهرة، وكان وقتئذ حسين الزنظاوي قد اتخذ مراكزه مع مشاته عند «زاوية المصلوب» يقطع المواصلات مع الصعيد، بينما وقف سليمان بك الخازندار «خازندار مراد بك وحاكم جرجا» عند بني سويف «والألفي الصغير في أثره بحري منية بن خصيب والألفي الكبير مستقر بأسيوط»، والانقسامات لا تزال مستحكمة بين الألفي وأتباعه «الألفي الصغير وسليمان بك» وبين البرديسي وإبراهيم وجماعتهما.
ويعزى سبب ازدياد حدة الخلاف بين الفريقين إلى أن الألفي الصغير عندما لم تصله أية معلومات عن الألفي الكبير بعد نزوله من الفرقاطة الإنجليزية التي أحضرته إلى مصر في فبراير، وأعتقد أنه مات؛ كان قد ارتحل إلى الصعيد أيام حكومة البكوات بالقاهرة واستئثار البرديسي بالسلطة العليا فيها على نحو ما سبق بيانه، فرحب به سليمان الخازندار، وطلب منه الألفي الصغير وساطته لدى البرديسي للصلح معه، فتقدم سليمان بك نحو القاهرة لهذا الغرض ومعه كميات كبيرة من القمح وألف كيس لدفع مرتبات الأرنئود، ولكنه وصل في الوقت الذي كان فيه البرديسي وإبراهيم قد طردا من القاهرة، فكانت دهشته عظيمة، وأنحى باللائحة على البرديسي الذي حمله وحده مسئولية ضياع القاهرة من قبضة المماليك، وعرف أن الألفي الكبير لم يمت، ومع أن البرديسي كان يريد الصلح مع الألفي الصغير لاستثارته ضد سيده الألفي الكبير، فقد أصر سليمان على إبلاغ الألفي الصغير أولا أن الألفي لم يمت وغادر البرديسي دون أن يترك له نقودا، وكانت خيانة البرديسي ومحاولته الغدر بالألفي الكبير سببا في انضمام سليمان الخازندار إلى الألفي، وقوي حزب الألفي؛ لاستعداد عثمان بك حسن في جرجا للانضمام إليه كذلك بسبب عدائه الشديد للبرديسي.
ولما كان الألفي قد ظل ممتنعا عن الاشتراك مع البرديسي وإبراهيم في القتال الدائر بينهما وبين خورشيد - حكومة القاهرة - بالرغم من تظاهره بالرغبة في التفاهم والاتفاق مع البرديسي، فقد صار الأخير يطلب من سليمان الخازندار قتال الألفي، ولكن دون جدوى؛ لأن سليمان صار من جهته يندد بمسلك البرديسي نحو الألفي تنديدا عنيفا، وظهر عقب معركة «17 مايو» أن لا أمل في حدوث أي اتفاق أو تفاهم بين فريقي الألفي والبرديسي.
وكان في هذه الظروف إذن أن حاول الألفي استئناف مفاوضته مع خورشيد، فبعث برسالة إليه وصلت القاهرة في 20 مايو يطلب «أتباعه الذين بمصر»، ولكن خورشيد رفض إجابة هذا الطلب محتجا «بعدم تحقق صداقة الألفي للعثمانية»، كما أشيع «صلح الألفي مع عشيرته سرا» وأنه إنما يتظاهر بخلاف ذلك «مع العثمانية» وكتب «ماثيو لسبس» في 28 مايو، أن المفاوضات مستمرة بين الألفي وخورشيد ولكن من غير نتيجة، «لأن الألفي كثير الهذر .»
ولما كان البكوات في بركة الحاج قد قوي مركزهم بعد واقعة «17 مايو» الأخيرة لانضمام جموع كبيرة من العربان إليهم، فقد تزايد خطرهم، وكثرت إغاراتهم على أطراف القاهرة وضواحيها، وطالب الأرنئود بمرتباتهم مرة أخرى قبل الخروج لصدهم وقتالهم، وتطرفوا في المطالبة إلى حد الوقاحة وذلك في وقت - كما قالت نشرة الوكلاء الفرنسيين الإخبارية عن حوادث «10-20 مايو 1804» - كانت الخزانة فيه خاوية، واختفت النقود والعملة من التداول في الأسواق، ووجد خورشيد من الحكمة للمحافظة على أمنه وسلامته أن ينتقل إلى القلعة، فنزل الأرنئود منها وطلع هو إليها في 18 مايو، «لأنه لم يكن مطمئنا من ناحية الحوادث الداخلية، بينما يغادر السكان ميسورو الحال القاهرة يوميا - على حد ما جاء في النشرة الإخبارية السالفة الذكر - فرارا من المجاعة والاضطرابات السائدة بها، ولخوفهم من أعمال السلب والنهب»، وأدرك خورشيد أن بقاءه بالمدينة يعرضه للمخاطر فآثر الانسحاب إلى القلعة مع حاشيته.
ولما كانت قد وصلت عمارة تركية في اليوم نفسه إلى أبي قير، فقد بعث يطلب 210 جنود غادروا فعلا الإسكندرية إلى القاهرة في 28 مايو وفي 21 مايو كتب «ماثيو لسبس» إلى «تاليران» أن المماليك والعربان يحاصرون القاهرة، وقد جمع المماليك عشرين ألفا من العربان وعدوهم بنهب القاهرة، وهم أسياد الصعيد بأسره، ويمتد سلطانهم من بلبيس إلى دمياط، وفي القاهرة المحاصرة ليس لخورشيد سوى سلطة ضعيفة ومزعزعة ولا يجرؤ الأرنئود على الخروج من القاهرة، وفي 2 يونيو «أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية» في بلقس - شمال بهتيم - ووصلت طائفة من المماليك إلى ناحية شلقان يقطعون الطريق على السفار في البحر.
وحاول خورشيد دفع الخطر الداهم عن القاهرة بالخروج بنفسه وصحبته «المشايخ والرعية» دفعة واحدة؛ لقتال البكوات، وطلب المشايخ يوم 6 يونيو يعرض عليهم هذا الرأي، ولكن لما كان أكثر هؤلاء الرؤساء - في رأي «مانجان» - منحازين إلى البكوات؛ لسخطهم - ولا ريب - على خورشيد بسبب الإتاوات والمغارم التي فرضها على القاهريين، فقد رفضوا خروج خورشيد وخروجهم معه بدعوى أن أكثرية الأهالي لا يدرون شيئا من فنون القتال، «وقالوا له إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك؟» فانفض المجلس على غير طائل.
وكان مما زاد في حروجة مركز خورشيد أنه كان من المتعذر بسبب المجاعة - نتيجة لتضييق الحصار على القاهرة - تموين الجند المرابطين في أماكنهم الحصينة على أبواب القاهرة، ويرفض هؤلاء أن يتركوا لشأنهم يموتون جوعا - كما قالوا - بينما استمرت مطالبتهم بمرتباتهم المتأخرة، والتزم البكوات من جانبهم مناوشة الأرنئود والاقتصار على الالتحام معهم في معارك في سهل مكشوف دائما؛ لضمان الاستفادة من قوم فرسانهم، وفضلوا تجويع القاهرة بتضييق الحصار عليها بدلا من الهجوم عليها وأخذها عنوة، وذلك حتى يرغموا المحاصرين بها على الخروج للالتحام معهم في سهل مكشوف، ولم يجرؤ سوى محمد علي على الخروج لمناجزتهم، فاشتبك معهم في معركة في 10 يونيو بجهة قليوب واحتل قريتين قريبتين منها، ولكن المماليك ما لبثوا أن قطعوا خط مواصلاته مع القاهرة ووصلوا إلى أبوابها، فاشتبك معهم في معركة أخرى بعد يومين استطاع بعدها الحضور إلى القاهرة؛ حيث قضى بها ليلة واحدة ثم خرج لقتالهم مرة أخرى في 13 يونيو.
وانسحب المماليك من القليوبية إلى المنوفية ينهبون ويخربون، واستولى إبراهيم كاشف عثمان بك البرديسي على منوف، وطالب الأرنئود من جديد بمرتباتهم فاضطر محمد علي إلى العودة إلى القاهرة يطلب مالا لدفع هذه المرتبات فقبض «بسلطته الخاصة» على اثنين من الأعيان هما مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وحبسهما بالقلعة ولم يفرج عنهما بعد أيام إلا بعد أن دفعا له ثلاثمائة كيس (29 يونيو).
فكان في أثناء اشتداد هذه الأزمة التي أخذت بخناق خورشيد من كل جانب؛ أن بدأ الألفي يتحرك من أسيوط؛ للزحف على القاهرة التي خيل إليه أن في وسعه الآن الاستيلاء عليها دون صعوبة، ولما كان يريد التمويه على حكومة القاهرة، حتى لا يفطن خورشيد إلى غرضه الحقيقي والمباشر من زحفه - وهو حصار القلعة والاستيلاء عليها - فقد وصل القاهرة في 15 يونيو رسول يحمل مكاتبة منه إلى خورشيد؛ يخبره «بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد الواقع بمصر.»
صفحه نامشخص