مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
غير أن نبأ وصول الألفي كان مفاجأة سيئة للبرديسي ولإبراهيم، اللذين كانا قد بذلا قصارى جهدهما مع الإنجليز لمحاولة إقناعهم باحتجاز الألفي ومنعه من العودة إلى مصر، ثم نفى رسولهما «سليم أفندي» للكابتن «هالويل» في مالطة أن الألفي كان مفوضا من البكوات في سفارته المزعومة في لندن على نحو ما سبق ذكره، وكان البرديسي وإبراهيم قد سمحا للألفي الصغير ساعد الألفي الكبير الأيمن ونائبه في غيبته، بمشاركتهما في الحكم؛ تعمية له من جهة، حتى لا يفطن لمقاصدهما، ومحافظة على مظهر الاتحاد بين مختلف الطوائف المملوكية لدعم أركان حكومتهما في القاهرة من جهة أخرى.
ولكنه حدث منذ أن تسلم البرديسي زمام السلطة العليا في القاهرة بعد انسحابه من دمنهور في سبتمبر 1803 أن صار الألفي الصغير يجد نفسه مبعدا رويدا رويدا عن شئون الحكم والإدارة، ولا جدال في أن البرديسي كان على حق في سلب كل سلطة منه بسبب ما ظهر من شطط في معاملته للأهلين وما أنزله من مظالم بهم، ولكن الألفي الصغير سرعان ما فسر ذلك بأن البرديسي إنما يريد إبعاد السلطة عن بيت الألفي، وأظهر استياءه من حكومة البرديسي وإبراهيم، وصار يعلن رجاءه في أن تسفر سفارة سيده في لندن عن جمع السلطة في بيت الألفي، وساد سوء التفاهم بينه وبين البرديسي، وجمع الألفي الصغير مماليكه ومشاته من السود واليونان ومدفعيته بالجيزة، وقبع هناك في انتظار عودة محمد بك الألفي، حتى إذا بلغه خبر وصوله أطلق مدافعه لإعلان هذا النبأ وتحية لسيده، وخرج من الجيزة لمقابلته.
وقد أزعج مسلك الألفي الصغير عثمان بك البرديسي، الذي استبد به القلق، بسب ذيوع الاعتقاد بأن الألفي الكبير إنما حضر يسنده الإنجليز بقوتهم، ولا يلبث - لذلك - أن يستولي على أسباب السلطة ويظفر باحترام سائر البكوات له، ولن يستطيع البرديسي عندئذ استرجاع نفوذه إلا إذا اشتبك في معارك شديدة وحالفه النصر في نضاله من غريمه ومنافسه.
وعلى ذلك فإنه بدلا من إطلاق المدافع ابتهاجا بنبأ وصول الألفي، هرع البرديسي إلى محمد علي ينشد النصح والإرشاد عند الرجل الذي أولاه البرديسي ثقته دائما، والذي تظاهر في كل المناسبات السابقة بأنه لا غايات ولا مآرب شخصية له، وظل مبتعدا عن المنافسات والمشاحنات المملوكية، ولديه - إلى جانب هذا كله - القوة العسكرية التي تمكن البرديسي من مطاردة خصمه، ووجد محمد علي في لجوء البرديسي إليه يطلب منه النصيحة فرصة مواتية للمضي في تنفيذ خطته، وهي العمل في هذه المرحلة وبعد أن تم الخلاص من علي باشا الجزائرلي، على إضعاف المماليك وكسر شوكتهم بتأليبهم ضد بعضهم بعضا.
وعلى ذلك فقد كثر انعقاد المؤتمرات بين البرديسي ومحمد علي طوال اليومين التاليين، وأسفرت هذه المؤتمرات عن تدبير تلك الخطة التي خالف فيها البرديسي تقاليد وعادات المماليك القديمة ، وهي تقاليد قال عنها «ماثيو لسبس» إنها تجعل المماليك ما داموا أتباعا لسيد واحد يعتبرون أنفسهم من بيت واحد، فلا يرتكبون أعمالا عدوانية تتسم بطابع الفظاعة والغدر المشين ضد بعضهم بعضا، ومع أن البرديسي والألفي كانا من بيت مراد، فقد رأى البرديسي بعد مشاوراته مع محمد علي واتفاقه معه على الغدر والفتك بالألفي الكبير وبرجاله، فأرسلت الأوامر في 19 فبراير إلى رشيد وحاكمها يحيى بك البرديسي بقتل الألفي، ثم إلى سائر الأعيان في تلك الجهة بوقفه والقبض عليه.
وفي ليل 19-20 فبراير قامت ثلاث حملات في وقت واحد، إحداها بقيادة البرديسي ضد حسين بك الوشاش الألفي في إمبابة، والأخريان بقيادة محمد علي ضد الألفي الصغير ومماليكه بالجيزة، ففوجئ حسين الوشاش، وقتله مماليك وكشاف عثمان البرديسي غدرا، وأما جيشا الأرنئود فقد استولى أحدهما على خيول الألفي الصغير في سهل الجيزة، بينما انقض الآخر على الجيزة نفسها، وهرب الألفي الصغير، ولكن الأرنئود بدلا من مطاردته دخلوا الجيزة ونهبوها، واستمر النهب حتى يوم 22 فبراير.
وعلم البرديسي في 21 فبراير أن الأوامر التي بعث بها إلى يحيى بك قد وصلت رشيد بعد فوات الفرصة، وأن الألفي قد غادرها قاصدا إلى القاهرة، فخرج البرديسي ومحمد علي لملاقاته، وحشدا في النهر «النيل» قوارب كثيرة ملأى بالجند الأرنئود، وكان الألفي يجهل كل ما حدث وينطلق على ظهر «قنجة» أو ذهبية الوكيل الإنجليزي البطروشي رافعا عليها العلم البريطاني، ففاجأه الأرنئود، وكان لم يبتعد عن منوف كثيرا، واستطاع «الألفي» الإفلات، بينما انقض الأرنئود على مراكبه المحملة بعتاده وبالهدايا التي جلبها معه من لندن، وقد بيعت هذه في أسواق القاهرة بعد ذلك.
واستمر الألفي في سيره حتى وصل قريبا من «شبرا شهاب» أو الشهابية، وهناك علم بما وقع في القاهرة من رسول كان في طريقه إلى كاشف أو حاكم منوف سليمان بك البواب لإبلاغه بما وقع، فنزل الألفي من فوره إلى الشاطئ الشرقي ومشى مع مماليكه حتى وصلوا إلى ناحية «قرنفيل» ودخلوا إلى نجع عرب الحويطات وآوته امرأة من الحويطات ثم أركبته فرسا ، وأصحبته دليلين هجانين، فساروا إلى قرب الخانكة، وهناك هاجمه أعراب من قبيلة «بلي» وتبودل بين الفريقين إطلاق النار، وأسرع البرديسي - الذي كان مع بعض البكوات في القليوبية يبحثون عن الألفي إلى مكان المعركة عند سماعه الطلقات الأولى، ولكن بعد فوات الفرصة؛ لأن الألفي كان قد استطاع النجاة مع دليليه وتوغلوا في الصحراء.
وأما محمد علي فقد سار بجنده إلى منوف للقبض على سليمان كاشف البواب، ولكن هذا الأخير كان قد غادر المكان فاستولى محمد علي على معسكره، وأما البرديسي فقد بادر بإبلاغ «مسيت» منذ 22 فبراير خبر مطاردته للألفي راجيا أن لا يكون قد أغضب «جلالة ملك الإنجليز» بعمله هذا؛ «لأن «مسيت» نفسه يعرف جيدا - كما قال البرديسي - أن عودة الألفي إلى السلطة سوف يترتب عليها استمرار الحرب ذات النتائج السيئة بين المماليك، علاوة على أن الألفي عدو للإنجليز؛ كما يدل على ذلك مسلكه في مالطة من جهة ثم صداقة أتباعه للوكيل الفرنسي من جهة أخرى»، وأما الألفي فقد اختفى «بشرقية بلبيس برأس الوادي عند شخص من العربان يسمى عشيبة.»
وكتب لسبس إلى تاليران في 23 فبراير معلقا على هذه الحوادث «أن الأرنئود في شدة الفرح لما حدث؛ إذ شاهدوا المماليك يبيدون أنفسهم بأنفسهم وساهموا هم؛ أي الأرنئود في هلاكهم، وصاروا لا يخشون الآن بأس من بقي منهم؛ ولذلك فإن زعماء الأرنئود يؤكدون له؛ أي لماثيو لسبس أنه بمجرد الانتهاء تماما من مسألة الألفي، فإنهم سوف يبلغون البرديسي بأنهم سيفعلون معه نفس ما فعلوه مع الألفي إذا لم يدفع لهم مرتبات ثمانية شهور، وينهبون القاهرة ...» وكانت مشكلة مرتبات الجند هي المسألة التي واجهت حكومة البكوات مباشرة بعد القضاء على نفوذ الألفي وتشتيت أتباعه، وذلك في وقت كانت هذه الحكومة فيه قد ضعفت ضعفا كبيرا وتألب القاهريون ضدها بسبب سوء إدارتها.
صفحه نامشخص