مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
المعين حديثا في 30 يناير سنة 1804 قنصلا عاما بريطانيا في مصر مع بقاء «مسيت» إلى جانبه، ولكن «لوك» الذي كان على وشك الذهاب إلى القسطنطينية قبل تسلم منصبه في مصر لم يشأ - إذا هو اصطحب معه سليم أفندي - أن يظهر بمظهر من يريد تشجيع المماليك الثائرين على الباب العالي، وفي يونيو غادر مالطة إلى القسطنطينية، واضطر سليم أفندي للعودة بعد ذلك إلى مصر دون أن يظفر بشيء من السير ألكسندر بول.
وكان من أثر مساعي «تابرنا» ومناوراته أن صار الوكيل الفرنسي «ماثيو لسبس» يبذل قصارى جهده مع البكوات حتى يرفض هؤلاء كل ما قد يقدمه لهم «مسيت» أو «تابرنا» من عروض، ولكنه لما رأى البكوات منصرفين عنه؛ للأسباب التي ذكرناها في حينها، فقد صار يسعى لاستمالة زعماء الألبانيين، فكتب «مسيت» إلى حكومته منذ 18 نوفمبر سنة 1803، أن «لسبس» يعمل لتأليف حزب منهم، كما كتب عن هذا المسعى بإسهاب في رسالة أخرى بعث بها إلى حكومته من الإسكندرية في 12 مارس سنة 1804، ثم قال: «إن لديه من الأسباب القوية ما يحمله على الاعتقاد بأنه قد تم «لماثيو لسبس» استمالة اثنين من زعماء الألبانيين «محمد علي وأحمد بك» إلى تأييد المصلحة الفرنسية نهائيا، وإن زعماء الألبانيين لن يحجموا عن مساعدة جيش من الفرنسيين ينزل في هذه البلاد لفتحها.»
ثم استطرد يقول بسبب الحوادث التي أفضت إلى مقتل علي باشا الجزائرلي: «إنه لما كان محمد علي وأحمد بك قد ثارا ضد الباب العالي، فمن المحتمل أنهما يظنان أن هذا الذنب سوف لا يغتفر لهما تماما، وإنه - وإن صرح لهما بالعودة إلى بلادهما - لا يبعد أن تتخذ ضدهما بعض الوسائل السرية للقضاء عليهما، ولا جدال - لذلك وبسبب هذه الظروف - في أن تحدث العروض المغرية التي يتقدم بها الوكيل الفرنسي إليهما الأثر المطلوب منها حتما.»
وعلى ذلك، فقد كان بسبب هذه الحوادث والمناورات التي أظهرت استعداد الإنجليز - بفضل مساعي «تابرنا ومسيت» - لمؤازرة المماليك، واعتماد البكوات على هذه المؤازرة، أن بدأ الاتصال بين الوكلاء الفرنسيين في مصر وبين محمد علي، والذي كان من آثاره الأولى - على نحو ما رأينا - نصح محمد علي والزعماء الأرنئود لماثيو لسبس بمغادرة القاهرة عندما صح عزم هؤلاء على تدمير الانقلاب الذي أخرج البرديسي وإبراهيم من القاهرة.
وقد كان لمشروع ألكسندر بول - ومساعي تابرنا - أثر آخر لا يقل أهمية عما ذكرنا، هو زيادة الخلاف واتساع شقة الانقسام بين البكوات أنفسهم، بسبب المفاوضات التي صحبت هذا المشروع في مالطة وفي مصر، وقد كشف «لسليم أفندي» عن وجود هذا الانقسام في مقابلته مع الكابتن «هالويل» في مالطة، ومبعثه المنافسة الشديدة بين الألفي والبرديسي على الاستئثار بالسلطة العليا بين المماليك في حكومة البلاد الفعلية، وكان هذا الانقسام منشأ الأخطاء التي ارتكبها البكوات من ناحية، فأضاعت عليهم فرصة الحكم في مصر نهائيا، كما أنه أفاد «محمد علي» فائدة كبرى، عندما استطاع أن يغري البرديسي بالألفي وكان يخشى خطره، ثم تخلص من «حليفه» البرديسي بعد ذلك ومضى في طريقه خطوة أخرى نحو الاستئثار بالسلطة بفضل ذلك كله.
آثار مشروع «بول» في القسطنطينية
تلك إذن كانت آثار مشروع ألكسندر بول المباشرة في مصر، أما في القسطنطينية فقد لقيت مقترحاته كل قبول من رجال السفارة الإنجليزية بها، الذين أرادوا تكميل هذه المقترحات حينئذ بأن صاروا يحاولون إقناع الباب العالي حتى يتقدم من جانبه إلى الحكومة الإنجليزية بطلب إرسال قوة إنجليزية لاحتلال الإسكندرية، فقد انخدع «ستراتون» بدوره بالتعليمات التي أعطاها «السير ألكسندر بول» للكابتن «تابرنا» واعتقد أنها تفصح عن رغبة الحكومة الإنجليزية في الاستيلاء على الإسكندرية تحت ستار أي عذر يكون معقولا في ظاهره، لا سيما وأنه كان قد ذكر للورد هوكسبري منذ 25 أكتوبر 1803 أن رأيه كان دائما «أنه لا يرجى استقرار السلام في مصر طالما بقي المماليك والأتراك يتنازعونها، إلا إذا أقيمت بهذه المقاطعة «العثمانية» قوة أجنبية تتبع دولة ثالثة تكفي لإرغام كل من هاتين الجماعتين على احترام ما قد يعقدانه فيما بينهما من اتفاقات.»
وعلى ذلك، فقد ظن «ستراتون» أنه قد يكون من الخير أو أنه استطاع أن يسبق ما توقع أن تبديه حكومته من آراء تعرضها رسميا على الباب العالي، فكتب إلى هوكسبري في 21 يناير 1804 أنه لما كانت قد وصلته من «مسيت» في القاهرة رسالة بتاريخ 30 نوفمبر من العام السابق ومعها نسخة من رسالته إلى «هوبارت» مشتملة على مجمل تعليمات ألكسندر بول إلى تابرنا، فقد قابل الريس أفندي واقترح عليه أن يتقدم الباب العالي بطلب إلى ملك إنجلترا يرجوه أن يرسل - دون إبطاء - قوة بريطانية إلى الإسكندرية للمحافظة على الهدوء والسلام في مصر والدفاع عنها ضد هجوم الفرنسيين المتوقع عليها، وعلل ستراتون السبب في خطوته هذه بأن مضمون تعليمات السير ألكسندر يؤيد أن غرض الحكومة الإنجليزية إنما هو امتلاك الإسكندرية بأي عذر من الأعذار، وأنه وجد أن خير عذر أو وسيلة لذلك هو أن يتقدم الباب العالي نفسه بهذا الطلب.
ولكن الريس أفندي رفض هذا الاقتراح، وقد علل ستراتون نفسه هذا الرفض بقوله: إن الديوان العثماني «لديه فكرة غريبة هي اعتقاده أن إنجلترا إنما تريد الزج بتركيا في حرب مع فرنسا؛ ولذلك «فالأتراك» يرون في أية خطوة يمليها الاحتراس والحيطة، وأي اقتراح يقترح عليهم من هذا القبيل، فخا أو شركا ينصب لهم لإخراجهم من خطة الحيدة التي يزعمون أنهم بالتزامهم الدقيق لها قد يتجنبون أخطار الحرب التي تتهددهم»، وعلى ذلك فإنه عندما وصلت إليه تعليمات حكومته بشأن التدخل رسميا مع الباب العالي، من أجل إقناعه بالاتفاق مع المماليك، على أساس إرجاع نفوذهم السابق في حكومة مصر إليهم - نتيجة لسفارة الألفي في لندن - وجد «ستراتون» أن مركزه قد ضعف كثيرا لدى الباب العالي بسبب الشكوك التي أثارها اقتراحه وسوء الظن الذي أوجده.
والواقع أنه صار من المتعذر بعد ذلك على الحكومة الإنجليزية - نتيجة لنشاط ستراتون الذي أثار شكوك الباب العالي - أن تعمل بنجاح من أجل التوسط لإبرام اتفاق ودي بين الباب العالي والمماليك، وبالفعل كان الباب العالي مصمما على رفض أية وساطة من هذا النوع لأسباب عدة: منها خوفه من إمعان المماليك في معارضتهم له اعتمادا على التشجيع الذي يلقونه من جانب إنجلترا، فتعجز تركيا - إذا هي استجابت لمساعي الإنجليز - عن فرض سيادتها عليهم، زد على ذلك أن الأتراك كانوا لا يريدون إغضاب بونابرت وهم الذين كانوا قد رفضوا وساطته من قبل بينهم وبين المماليك، ومع أن الأتراك كانوا يخشون مشروعات بونابرت فقد كانوا يرجون الخلاص من ناحية أخرى في النهاية إذا هم تمسكوا بموقف الحياد الدقيق في الحرب القائمة.
صفحه نامشخص