مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
وقال هتشنسون: «إنه يعتقد كذلك أن كثيرين من الأتراك أنفسهم يفكرون هذا التفكير نفسه»، وكان في هذه الرسالة أن ذكر هتشنسون أنه من المتعذر الاحتفاظ بالإسكندرية عند سقوطها دون أن يكون للقوات البريطانية مواصلات مفتوحة مع أجزاء مصر المزروعة الأمر الذي لا يتأتى إلا بسيطرة الإنجليز على مصبات النيل في فرعيه الاثنين.
وأزعج رأي العسكريين هذا، الذي تناول البحث في وضع البلاد، والتشكك في قدرة الأتراك على الاحتفاظ بها إذا تركوا وشأنهم؛ الحكومتين الإنجليزية والعثمانية على السواء، الأولى لأنها مرتبطة بإرجاع مصر إلى تركيا بعد طرد الفرنسيين منها، والثانية لما بدأ يساورها من ظنون في نوايا حلفائها الإنجليز من ناحية تنفيذ الضمان الذي نصت عليه معاهدة «يناير سنة 1799» لأملاك كل من الدولتين المتحالفتين.
ولذلك فقد بادرت الحكومة الإنجليزية تؤكد من جديد سياسة عدم التدخل في شئون ممتلكات الباب العالي الداخلية، وعدم نبذ العهد الذي قطعته على نفسها بإرجاع مصر إلى تركيا، وقصرت الحكومة الإنجليزية اهتمامها فيما يتعلق بمسألة منع الفرنسيين من محاولة غزو هذه البلاد ثانية على البحث في بعض الإجراءات العسكرية فحسب عند نظر هذا الموضوع، فأصدرت في 19 مايو سنة 1801 تعليماتها إلى كل من سفيرها «إلجين» بالقسطنطينية وقائد قواتها «هتشنسون» في مصر بهذا المعنى، فطلبت في تعليماتها للورد «إلجين» «أن يعلن لوزراء الباب العالي بوضوح وجلاء أن قرار الحكومة الإنجليزية قطعا عند طرد الفرنسيين من مصر، هو إرجاع تلك المقاطعة بأسرها إلى الباب العالي وعدم الاشتراك في توجيه شيء من شئونها، إلا فيما يتعلق بوضع حامية بريطانية فحسب في جزء من الساحل حتى وقت عقد الصلح العام، أو لمدة أقصر من ذلك يتم الاتفاق عليها بين الباب العالي وإنجلترا؛ وذلك من أجل التعاون مع الباب العالي في الوسائل التي يمكن بفضلها تأمين مصر ضد مشروعات الغزو الأخرى التي قد تكون لدى الحكومة الفرنسية والتي يحمل ما يبديه حكام فرنسا الحاليون من ميول ظاهرة على الاعتقاد، جزما بأن فرنسا سوف تنتهز أول فرصة سانحة لتنفيذه.»
وفي تعليماتها للجنرال هتشنسون، قالت الحكومة الإنجليزية: إنه بمجرد طرد الفرنسيين من مصر سوف يكون موضع التفكير العميق؛ النظر في القوة التي توجب الضرورة تركها في مصر للحيلولة دون تجدد خطر محاولات الغزو من جانب فرنسا، ويصبح الاحتراس والحذر من مشروعات الحكومة الفرنسية هو الغرض الأول حينئذ من البحث في هذه المسألة، وقالت التعليمات ردا على مسألة الاستيلاء على مصبات النيل: إن الحكومة الإنجليزية ترى أن وضع قوة في مركز أبي قير هو كل ما يجب فعله للاحتفاظ بالإسكندرية عند سقوطها ولذلك تجد من واجبها إبلاغ هتشنسون «أن هناك خدمات أخرى تتطلب انسحاب أكبر جزء مستطاع من القوات التي لديه في مصر» إلى مالطة، ويقول صاحب هذه الرسالة اللورد «هوبارت
Hobart » وزير الحربية والمستعمرات في الوزارة الإنجليزية: إنه عند النظر في هذه المسألة يجب أن يتذكر هتشنسون دائما أن «غرض الحكومة الإنجليزية الوحيد هو الاحتراس من مشروعات الحكومة الفرنسية العدائية على مصر، وأن الإنجليز في هذا الأمر ليسوا مرتبطين مع الأتراك أو مدفوعين بآراء خاصة بهم؛ للنظر إلى أبعد من هذا الغرض.»
وبهذه الصورة رسمت الحكومة الإنجليزية لسفيرها ولقائدها ولسائر الوكلاء والعملاء الإنجليز الخطة التي يجب عليهم انتهاجها في موضوع الجلاء وتسليم مصر للأتراك عند الانتصار على جيش الشرق نهائيا، وكانت لحمة هذه الخطة وسداها عدم التدخل في شئون مصر الداخلية؛ أي في شئون مقاطعة من مقاطعات الإمبراطورية العثمانية الواجب عليهم ردها إلى هذه الإمبراطورية كما كانت قبل الغزو الفرنسي، حسب الضمان الذي نصت عليه معاهدة التحالف في يناير سنة 1799 بين إنجلترا وتركيا، ومعنى عدم التدخل هو عدم البحث في نوع الحكومة التي تجب إقامتها في البلاد بعد جلاء القوات البريطانية عنها، والتي كان واجبها الرئيسي في نظر العسكريين خصوصا، ثم فريق من السياسيين أخذ يكثر عددهم تدريجيا، الدفاع عن مصر عند تعرضها لغزو جديد.
ولكنه سرعان ما اتضح أن هذا الوعد الذي قطعته الحكومة الإنجليزية على نفسها بعدم التدخل في شئون مصر الداخلية؛ صار من المتعذر التمسك به، ولما تنقض أسابيع قليلة على صدوره، ومبعث ذلك أن الباب العالي نفسه منذ آخر مايو صار يطلب من ناحيته المباحثة مع الإنجليز في نظام الحكومة الواجب إنشاؤها في مصر لتحقيق الغرض الذي سعت إليه الحكومة الإنجليزية ذاتها، والذي اهتم به الأتراك أنفسهم وهو دفع أي غزو جديد على مصر، كما أن العسكريين، وعلى رأسهم الجنرال «هتشنسون»، لم يروا مناصا من بحث موضوع الحكومة المستقبلة في مصر للغرض نفسه، وعلى ذلك فقد حدث في الشهور التالية أن الحكومة الإنجليزية لم تعدل عن وعدها السابق فحسب، بل صارت كذلك تتوسط من أجل الوصول إلى اتفاق بين الباب العالي والمماليك، على اعتبار أن المماليك هم القوة التي في وسعها الدفاع عن مصر، والتي يجب عدم إغفال حقوقها وامتيازاتها في أي نظام قد يوضع للحكومة المنتظرة لها؛ أي إرجاع ممتلكاتهم ووضعهم السابق في حكومة هذه البلاد الفعلية، وكما كانوا إلى وقت الغزو الفرنسي.
أما فيما يتعلق بالأمر الأول، فقد كتب «إلجين» إلى حكومته من القسطنطينية في 10 يونيو أن الريس أفندي وزير الخارجية التركية قد طلب مقابلة السفير البريطاني حتى يبحث معه موضوع بقاء قسم من الجيش البريطاني في مصر وفي المياه السورية بعد طرد الفرنسيين لمنع العدو من الهجوم على هذه الجهات مرة أخرى، وحتى يستشيره في أفضل الخطط أو الأنظمة التي يجب اتباعها لتأسيس الحكومة المنتظرة في مصر، وقد اجتمع «إلجين» بالريس أفندي، وفي 20 يونيو قدم الأول للثاني مذكرة بشأن هذه الحكومة المنتظرة، امتدح فيها سلوك المماليك الذين ناضلوا ضد الاحتلال الفرنسي وتحملوا متاعب ومشقات كثيرة في أثناء هذا النضال، ثم تقدم القليلون الذين بقوا منهم لمعاونة القوات المشتركة «الأتراك والإنجليز» بإخلاص، وانتفعت القوات المشتركة من معاونتهم لها، وقال «إلجين» إنه يمكن لذلك الاعتماد على المماليك، ويمكن الاستفادة من تأليف قوة من فرسانهم للذود عن البلاد، لا سيما وأن المماليك يعرفون البلاد معرفة طيبة، واقترح السفير البريطاني إعطاءهم حكومة الأقاليم الواقعة بعد جرجا في الصعيد كمكافأة لهم على ولائهم وما تحملوه من مشقة ونصب، فضلا عن أن هذا الإجراء من شأنه أن يزود هذه الأقاليم بقوة تستطيع الدفاع عنها.
وفي 27 يونيو كتب «إلجين» إلى اللورد «هوكسبري
Hawkesbury » ردا على رسالته الأخيرة إليه بتاريخ 19 مايو - وهي الرسالة التي سبق ذكرها والتي ترسم خطة عدم تدخل الحكومة الإنجليزية واقتصارها على الرغبة في إبقاء قسم من قواتها في احتلال الإسكندرية للدفاع عن مصر، فقال: «إنه بدلا من أن يرجو «الإنجليز» الباب العالي السماح لهم بوضع هذه القوة؛ فإن الباب العالي نفسه يطلب ذلك كخدمة إضافية من جانب بريطانيا له.»
صفحه نامشخص