مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
وحاول «لسبس» استرضاء عثمان البرديسي منذ عودته إلى القاهرة في 20 سبتمبر، فهنأه على سلامة العودة وبعث إليه بالهدايا كسائر الوكلاء، وطلب مقابلته، ولكنه انتظر أياما كثيرة حتى نفد صبره، وأراد الاتصال بإبراهيم بك «شيخ البلد» للبحث معه في المصالح الفرنسية، ولكن هذا الأخير أحاله دائما على البرديسي، فلم يجد «لسبس» مناصا من أن يبعث إليه بترجمانه، وتردد هذا الأخير في شهر أكتوبر مرات كثيرة على البرديسي دون طائل، ولما ذكر له الترجمان بناء على أمر «لسبس» أن هناك معاهدات (امتيازات) قائمة بين الباب العالي وفرنسا، كان جواب البرديسي: «وهل عقدتم معاهدات معي؟ فإني لا أعتقد بغير المعاهدات المعقودة معي، لقد سلبتمونا «سلطاتنا»، وطردتمونا «من القاهرة ومن الحكم»، وذلك هو كل ما نحن مدينون لكم به.» وعندئذ هدد لسبس بمغادرة القاهرة حالا إذا كان البكوات لا يعتبرون فرنسا صديقة لهم، فأكد له البرديسي عندئذ صداقته لفرنسا وصداقته الشخصية له، وادعى أن المرض وحده هو الذي جعله شديدا في كلامه.
ولكن الواقع - كما أشرنا - أن لسبس قد فقد مركزه مع البكوات المماليك، وشعر بامتهان هؤلاء له، ومنذ 20 سبتمبر صار يكتب لحكومته حتى تنقله من القاهرة للعمل في أي ميناء أو مكان آخر في أوروبا متعللا بمرضه وسوء صحته حتى قبل مغادرته باريس، وبحرارة الجو المحرق في مصر وحاجته إلى العلاج وإلا أهلكه المرض، ويطلب عرض مسألته على القنصل الأول، وفي 24 أكتوبر شكا ل «تاليران» من سوء معاملة البرديسي له الذي رفض الاجتماع به بينما هو يقابل الوكيلين؛ النمساوي «روشتي» والإنجليزي «مسيت »، ويجتمع الأخير على وجه الخصوص برؤساء «الحكومة» المملوكية، وينال التجار البريطانيون في رشيد كل التزامات الاحتكارات، وينعمون بمزايا «الامتيازات» وحدهم، ويبغي «روشتي» السيطرة على تجارة البلاد وحده، حتى إن «لسبس» شكا هذه الحالة للست نفيسة المرادية، فقابله في اليوم التالي لزيارته لها عثمان البرديسي في بيته ورحب به، وشكا له بدوره من عدم وصول جواب من بونابرت على رسائله له، وفي 3 نوفمبر شكا «لسبس» لزميله «دروفتي» بالإسكندرية من بقائه بالقاهرة مهددا بالقتل والنهب على أيدي القتلة المهيجين في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن يفعل شيئا في مسألة «الامتيازات» ورعاية المصالح التجارية الفرنسية، وشكا له من البكوات الذين أعلنوه أنهم لا يعترفون بالامتيازات التي يتكلم عنها، وقال «لسبس» مهتما إنه «لا يجد نفسه سعيدا في وكر اللصوص هذا الذي يتظاهرون فيه بالحيدة الكاذبة والمزيفة، بينما هم جميعا قد باعوا أنفسهم للإنجليز». وفي 22 نوفمبر أخطر «دروفتي» أنه يفكر في مغادرة القاهرة وما عاد يمكنه البقاء بها، ويظن أن بوسعه الالتجاء إلى «علي باشا الجزائرلي» بالإسكندرية، ويوصي دروفتي بملاطفته وملاينته.
ومنذ 28 أكتوبر كتب «مسيت» أن لسبس قد لقي من البكوات في القاهرة معاملة غير تلك التي يتوقعها، حتى إنه طلب فعلا من حكومته أن تبعث في استدعائه من مصر، وحتى إنه قال ذات مرة عندما نفد صبره بسبب إهمال البكوات له «إنه من المتعذر تماما تفسير مسلك هؤلاء معه بعد كل تلك الخطابات التي كتبوها للقنصل الأول، والتي قرأها «لسبس» نفسه، والتي قالوا فيها إنهم جنوده، وإنه والدهم، وإنهم يرجونه ألا يتركهم أبدا»، ثم أضاف: «إن مسلك حسين بك الزنطاوي لا يقل في غرابته عن مسلك الآخرين؛ لأنه عند وصول «لسبس» القاهرة قال له إنه جعله يمر بطريق يمكنه من السير تحت نوافذ بيت القنصل الإنجليزي، حتى يعرف هذا الأخير مدى تعلق الناس ومحبتهم لفرنسا، واليوم يرفض حسين بك الزنطاوي السماح ل «ماثيو لسبس» بشراء بعض القمح لحاجته الخاصة.»
وبقي «لسبس» بالقاهرة على مضض، ووقعت - وهو لا يزال بها - حوادث قتل علي باشا الجزائرلي في يناير سنة 1804، وإعلان «قائمقامية» إبراهيم بك في القاهرة، وخشي «لسبس» على حياته بسبب الاضطرابات التي وقعت في القاهرة وقتئذ نتيجة لاصطدام «الأرنئود وزعيمهم محمد علي» مع البكوات البرديسي وإبراهيم بك، وانهيار المحالفة التي كانت بين هؤلاء البكوات ومحمد علي لأسباب سوف يأتي ذكرها في حينه.
وفي أثناء هذه الاضطرابات التي بدأت من أواخر يناير واستمرت طيلة شهر فبراير، صمم «لسبس» على مغادرة القاهرة، ولكن البكوات حاولوا منعه، فبعث إليه حسين بك الزنطاوي حتى يصرفه عن عزمه.
وكان في أثناء هذه الاضطرابات أن خطا محمد علي خطوته العملية والإيجابية الأولى لاستمالة الوكلاء الفرنسيين وكسب ثقتهم، فأخبره - بعد أن طلب منه الكتمان والسرية - «أن جميع الأرنئود يريدون مرتباتهم، وأنهم بمجرد حصولهم على بعض المال سوف يقومون بحركة جليلة تكسبهم رضاء الباب العالي عليهم ثانية، وتقضي قضاء مبرما على المماليك.»
وعندما تحرجت الأمور في القاهرة منذ 27 يناير، أسرع التجار الأوروبيون الذين بقوا في القاهرة بمغادرتها إلى الإسكندرية، فبعث محمد علي والزعماء الأرنئود إلى «لسبس» أنهم عاجزون عن توجيه الجند الأرنئود وإرشادهم، وليسوا لذلك مسئولين عن فعالهم، وأن انفجار العاصمة على وشك الوقوع في أية لحظة؛ ولذلك فهم - لصداقتهم له - ينصحونه بالذهاب إلى الإسكندرية، وأعطاه محمد علي كتاب توصية لسلامته في أثناء رحلته، معنونا باسم عمر بك في رشيد، وهو من رؤساء الأرنئود وصديق لمحمد علي، وصديق كذلك - على حد قول لسبس - لفرنسا، فغادر «لسبس» القاهرة وبيده كتاب محمد علي، فرحب به عمر بك في رشيد، واستطاع الدخول إلى الإسكندرية بسلام في 4 مارس سنة 1804، وفي اليوم التالي كتب يطلب تعليمات من حكومته.
وتمسك محمد علي برغبته في توثيق أواصر العلاقات الودية مع الوكيل الفرنسي، وظهر حرصه على إرضائه عندما طلب من جوهري من رعايا أو محميي فرنسا يدعى «سيبي
Siepie » مبلغا عظيما من المال بعد حوادث طرد البكوات من القاهرة، بدعوى أن لديه مجوهرات ونقود عثمان البرديسي وحسين الزنطاوي، وحصل الاتفاق بين محمد علي وبين سكرتير القومسييرية الفرنسية بالقاهرة - وهو من أقرباء «لسبس»، طلب أن يصطحبه معه إلى القاهرة وأذن بذلك القنصل الأول، وحضر مع «لسبس» - على أن يدفع «سيبي» مبلغا من المال، وبعث محمد علي جنديين إلى مقر القنصلية العامة يأمرهما بعدم مغادرة المكان حتى يظفرا بالمبلغ، فتدخل «لسبس» من الإسكندرية، وانتهت المسألة، وكتب لسبس إلى حكومته في أول أبريل تعليقا على هذا الحادث: إن «محمد علي» بالرغم مما حدث «يبدو له مخلصا كل إخلاص ممكن لفرنسا، وإن هذا الحادث إنما يدل على حقيقة واحدة؛ هي أنه يسترشد في أعماله ونشاطه بمبدأ رئيسي هو المصلحة أو النفع الذاتي.» ثم عاد فكتب من الإسكندرية في 10 أبريل «إن «محمد علي» قد أعطاه كل الترضية اللازمة والممكنة، وإنه أعلن في حضور الفرنسيين الذين تركهم «لسبس» في القاهرة، وفي حضور الزعماء والضباط، أن قطع العلاقات الطيبة والتفاهم مع الفرنسيين يزعجه إزعاجا كبيرا، وأنه يكن دائما الود والاحترام لشخص القنصل الأول وللأمة الفرنسية، ويقدر شخص لسبس.» وقد بعث لسبس بكتاب محمد علي إليه إلى حكومته، وفي أواخر مايو أرسل إليه محمد علي يؤكد له مرة أخرى أن في وسع القنصل الأول الاعتماد عليه وعلى جماعته، وأنه علم بفعال «بونابرت» العظيمة، ويكلف «لسبس» أن ينقل إليه ما يشعر به من إعجاب عظيم بشخص القنصل الأول.
وحضر «لسبس» عهدا من حكومة خورشيد باشا بالإسكندرية، وحصل منه على وعود طيبة باحترام «الامتيازات» وعدم إيذاء المحميين أو الرعايا الفرنسيين بها، وتدخل «لسبس» حتى يعيد خورشيد إلى هؤلاء الأموال التي اغتصبها منهم باسم «القروض» وأعادها خورشيد فعلا، وشهد «لسبس» ذهاب خورشيد إلى القاهرة وتوليه الباشوية بها، وظل يرسل إلى حكومته كل ما وقف عليه من معلومات عن الحوادث التي وقعت بالقاهرة بعد طرد البكوات منها، إلى وقت المناداة بخورشيد باشا واليا على مصر، ثم ما وقع من حوادث بين المماليك والباشا العثماني. وقد عاد من الإسكندرية إلى القاهرة حسب تعليمات بونابرت، لكنه لم يمكث بها إلا قليلا فارتحل إلى الإسكندرية في يوليو، وكان الإمبراطور نابليون قد أمر بإعطائه إجازة للعودة إلى فرنسا منذ 7 يوليو سنة 1804، وكان آخر نشاط له أن استقدم من القاهرة إلى الإسكندرية جميع الفرنسيين الذين كانوا بها بسبب الاضطرابات في القاهرة والخوف على أنفسهم وسلامتهم، فوصلوا الإسكندرية في 17 سبتمبر سنة 1804، وفي 19 نوفمبر غادر «لسبس» الإسكندرية.
صفحه نامشخص