مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
ثم زاد هذا الاعتقاد رسوخا أن القنصل الأول ما لبث أن أظهر بصورة عملية اهتمامه بمصر ورغبته في استعادة علاقاته معها، ودعمها عندما أصدر أمره في 7 مارس 1803 بتعيين المواطن «ماثيو لسبس» - مأمور القنصلية السابق في قادش - نائب قومسيير للعلاقات التجارية الفرنسية بدمياط، على أن يذهب إلى القاهرة ليملأ بها مؤقتا منصب القومسيير العام للعلاقات التجارية حتى يتم تعيين من يشغله، كما أوفد القنصل الأول معه إلى مصر «دروفتي» مساعد قومسيير العلاقات التجارية المعين للإسكندرية منذ 20 أكتوبر 1802.
ماثيو لسبس
ولبعثتي ماثيو لسبس
Mathieu Lesseps
أهمية خاصة من ناحية ارتباط هذا التعيين بسياسة القنصل الأول نحو مصر بعد بعثة سباستياني؛ ولأنه كان حول شخص «لسبس» نفسه أن ابتكر الفرنسيون تلك الأسطورة التي ادعت أن «لسبس» لم يلبث عند حضوره إلى مصر أن أخذ بعبقرية محمد علي ونبوغه، لما شهد منه من رجاحة العقل وحسن التدبير وصدق العزيمة، فأقبل على تشجيع هذا القائد الألباني ومساعدته على الوصول إلى ذلك المركز الرفيع الذي استطاع بفضله فيما بعد أن يؤسس أسرة وراثية للحكم في مصر.
وعندما أرسل «ماثيو لسبس» إلى مصر كان يبلغ حوالي الثلاثين عاما؛ ولد في همبرج في مارس سنة 1774، ونشأ في أسرة شغل أعضاؤها - والده وعمومته - وظائف هامة في السلك السياسي من مدة طويلة، ومنذ سنة 1791 تقلد «ماثيو لسبس» نفسه مناصب سياسية هامة في مراكش، وكان عند إرساله إلى مصر نائب قومسيير للعلاقات التجارية في قادش.
ويؤخذ من التعليمات التي صدرت له في 22 مارس سنة 1803 أنه كان عليه القيام من طولون إلى الإسكندرية مع المواطن دروفتي - وللأخير شأن يذكر كذلك في تاريخ هذه الفترة - فيذهب «لسبس» إلى دمياط ومنها إلى القاهرة، ولا يبقى بالإسكندرية إلا ما يكفي من الوقت لتقديم نفسه إلى السلطات العليا بها وتعريفهم - إذا رأى ذلك - بالصفة التي أعطيت له؛ أي تعيينه نائب قومسيير للشئون التجارية للجمهورية الفرنسية، حتى إذا انتهت هذه الرسميات غادر الإسكندرية فورا إلى القاهرة. وهنا نصت التعليمات على أنه بمجرد وصوله إلى القاهرة، عليه أن يؤكد للسلطات القائمة إخلاص الحكومة الفرنسية وصدق نواياها الطيبة.
واستطردت التعليمات المعطاة له، فذكرت كيف أن الموقف في مصر لا يزال ينقصه الاستقرار بسبب إطالة الإنجليز بقاءهم بها، وبسبب الحرب القائمة بين الجند العثمانيين والمماليك مما يقتضي «ماثيو لسبس» أن يتخذ جانب الحيطة والحذر بكل ما يسعه من جهد في علاقاته ومسلكه مع الرؤساء النائبين عن الباب العالي في هذه البلاد، فيعمل جادا للظفر باحترامهم وكسب ثقتهم، وذلك بتجنبه التدخل في المنازعات السائدة بين فريقي العثمانيين والمماليك، وعليه - علاوة على ذلك - ملاحظة «الامتيازات» المبرمة بين فرنسا والباب العالي ويطلب تنفيذها بكل دقة، وكان لرعاية المصالح الفرنسية أن أجاز له القنصل الأول أن يعين «مؤقتا» - وإذا رأى ضرورة لذلك - خدمة لهذه المصالح وكلاء للقومسييرية العامة في الموانئ المصرية التي لم تعين بها حكومته وكلاء لها، ويعرض اختياره على حكومته للموافقة عليه.
وذكرت التعليمات أن «سباستياني» وقت وجوده بدمياط كان قد عين «باسيلي فخري» من أثرياء المسيحيين نائب قومسيير مؤقتا، فأشارت التعليمات ببقاء باسيلي تحت إشراف «لسبس» حتى يتسنى للأخير استلام هذا المنصب نفسه في دمياط، ولما كان القنصل الأول ينتوي تعيين نائب قومسيير في رشيد، فقد طلب إلى «لسبس» أن يختار شخصا لهذا المنصب، إذا وجد ذلك ضروريا، ويعرض هذا الاختيار على الوزير المختص للتصديق عليه.
وهكذا دلت هذه التعليمات على أن أعظم اهتمام القنصل الأول كان موجها لاستعادة العلاقات التجارية مع مصر، على أنه مما تجب ملاحظته لتفهم مسلك «لسبس» في أثناء قيامه بمهمته:
صفحه نامشخص