أما كيف تخلص المصريون من هذه العقيدة السيئة وكفوا عن قتل ملوكهم فلسنا نعرف على التحقيق الدرجات التي ارتقوا عليها، ولكنا نجد أيام الفراعنة أنهم اهتدوا إلى طريقة لرد الشباب إلى الملك في الشعيرة الخاصة برمي السهام عن القوس إلى الجهات الأربع، وفي التتويج حين يتخذ الملك لباسا وتاجا وتقام له صلوات وتؤدى شعائر، وحفلة التتويج هذه هي نفسها التي ترى إلى الآن في زواج الأقباط؛ فإن العروسين يمنحان حياة جديدة أساسها الصلوات والأدعية والشعائر التي تؤدى لهما وهما في ملابس وتيجان ملوكية، والمعقول أن تنتقل هذه الحفلة من الملوك إلى الخاصة ثم إلى العامة.
والملك القديم حين كان يعبد من أفراد الشعب لم تكن العبادة لشخصه كأن له فضلا على الأمة، بل كان خدمة من هؤلاء الأفراد له حتى تعود إليه الصحة لكي تنتقل منه إلى الأمة والمزروعات.
قصة الرب أوزوريس
الأساطير القديمة هي التاريخ المزخرف، وهي تقوم على حقائق زينها الخيال أو شوهها الخوف، ولكن المتأمل لها في ضوء البيئة الجغرافية والتاريخية يستطيع أن يجد الحقائق من أوهام الخيال والخوف، وفي أسطورة الرب أوزوريس حقائق كثيرة تجعلنا نقف على نشأة الحضارة في مصر، ومن هذه الأسطورة يمكننا أن نخرج بهذه النتائج الثلاث: (1)
أن المصريين قتلوا ملوكهم الأولين. (2)
أن الألوهية الأولى عندهم نشأت من الملوكية واندغمت الاثنتان. (3)
أن المهمة الأولى للملك والإله في الحضارة المصرية الأولى كانت الزراعة والخصوبة والتقويم الزراعي.
وقد كتب كثيرون من الكتاب الإغريق المتأخرين مثل فلوطرخس قصة أوزوريس، ولا بد أن فلوطرخس اعتمد فيما كتبه على بعض المصادر المصرية، وقد وجد في أسلافنا ما يؤيد كثيرا مما قاله، وهذا الذي نذكره فيما يلي لخصناه عن جملة فصول في «الغصن الذهبي» لفريزر.
وأوزوريس هو أقدم الأرباب المصرية وأحبها إلى قلوب المصريين القدماء، ويؤثر عنه أنه هو الذي أضاف الأيام الخمسة أو الستة على السنة القبطية لكي تصبح سنة شمسية؛ وذلك أن السنة المصرية القديمة كانت قمرية كل شهر منها ثلاثون يوما كما هو الشأن عند جميع الأمم البدائية، ولكن هذه السنة القمرية لا توافق الزراعة لأن الأشهر لا تتفق ودورة الأرض حول الشمس، والمأثور أن أوزوريس هو الذي أضاف هذه الأيام الخمسة أو الستة لكي تلاءم الزراعة.
ويؤيد ذلك أن التقاليد تقول إنه ولد في أول يوم من هذه الأيام التي تعرف للآن باسم أيام النسيء وقد سمع صوت عظيم يدوي في أنحاء البلاد وقت ولادته يقول «ملك عظيم قد ولد» هو أوزوريس.
صفحه نامشخص