مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
ناشر
دار الفكر
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
محل انتشار
بيروت - لبنان
وَفِيهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَجْرِ كَمَالَهُ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَتَوَقَّفُ أَجْرُ امْتِثَالِ طَاعَةٍ أَوِ اجْتِنَابِ مَعْصِيَةٍ عَلَى الْآخَرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ التَّوْبَةَ عَنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ صَحِيحَةٌ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ. (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ) أَيِ الْمَذْكُورِ (شَيْئًا فَعُوقِبَ) أَيْ (بِهِ) كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، يَعْنِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (فِي الدُّنْيَا فَهُوَ) أَيِ الْحَدُّ وَالْعِقَابُ (كَفَّارَةٌ لَهُ) وَزَادَ فِي نُسْخَةٍ، وَطَهُورٌ - بِفَتْحِ الطَّاءِ - أَيْ يُكَفِّرُ إِثْمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعَاقَبْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا الْخَاصُّ بِغَيْرِ الشِّرْكِ، وَأَخَذَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ، وَخَبَرُ: " «لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ أَمْ لَا» " أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ نَفْيُ الْعِلْمِ، وَفِي هَذَا إِثْبَاتُهُ، وَالْمَعْنَى: لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ مِنْهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا ذَنْبٌ آخَرُ غَيْرُ مَا وَقَعَ الْعِقَابُ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١] وَيُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. («وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ») أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُصَابَ أَيْ (عَلَيْهِ): كَمَا فِي نُسْخَةٍ: وَعَلَى غَيْرِهَا، أَيْ سَتَرَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمُصِيبَ أَيْ ذَنْبَهُ بِأَنْ لَمْ يُقِمِ الْحَدَّ عَلَيْهِ (فَهُوَ) أَيِ الْمَسْتُورُ (إِلَى اللَّهِ) أَيْ أَمْرُهُ وَحُكْمُهُ مِنَ الْعَفْوِ وَالْعِقَابِ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِقَابُ عَاصٍ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ثَوَابُ مُطِيعٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الْحَقِّ (إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ) قُدِّمَ لِسَبْقِ رَحْمَتِهِ (وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ) رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ (فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ) وَتُسَمَّى بَيْعَةُ النِّسَاءَ كَمَا فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ؛ وَلِذَا قِيلَ: عَلَيْكُمْ بِدِينِ الْعَجَائِزِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
١٩ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: («يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ)، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ) قُلْنَ: مَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا) قَالَ: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تَصِلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: (فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا») . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١٩ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) مَنْسُوبٌ إِلَى خُدْرَةَ، بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، حَيٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ. هُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ، اشْتَهَرَ بِكُنْيَتِهِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً ﵁ (قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَضْحًى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالتَّنْوِينِ، وَاحِدُهُ أُضْحَاةٌ، لُغَةٌ فِي الْأُضْحِيَةِ، أَيْ فِي عِيدِ أَضْحًى - عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، بَلْ غَلَبَ عَلَى عِيدِ النَّحْرِ، فَحِينَئِذٍ مُغْنٍ عَنِ التَّقْدِيرِ كَالْفِطْرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ وَقْتَ الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ (أَوْ فِطْرٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (إِلَى الْمُصَلَّى) أَيِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ إِلَى الْيَوْمِ خَارِجَ السُّورِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ (فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ): مَرَّ يَتَعَدَّى بِعَلَى كَالْبَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَهُنَّ لِلْوَعْظِ أَوْ: لَمَّا مَرَّ بِهِنَّ وَعَظَهُنَّ (فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ) أَيْ جَمَاعَتَهُنَّ، وَالْخِطَابُ عَامٌّ غُلِّبَتِ الْحَاضِرَاتُ عَلَى الْغُيَّبِ (تَصَدَّقْنَ) أَمْرٌ لَهُنَّ أَيْ أَعْطِينَ الصَّدَقَةَ (فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ) عَلَى طَرِيقِ الْكَشْفِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْوَحْيِ (أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ أُرِيَ إِذَا أُعْلِمَ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ مَفَاعِيلَ؛ أَحَدُهَا: التَّاءُ الْقَائِمَةُ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَالثَّانِي:
1 / 92