مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
ناشر
دار الفكر
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
محل انتشار
بيروت - لبنان
يَأْتِيهِ، وَالْجُمْلَةُ كَمَا هِيَ حَالٌ أُخْرَى مِنَ الْمَفْعُولِ وَيَكُونُ النَّهْيُ مُنْصَبًّا عَلَى الْمَجْمُوعِ، أَيْ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ وَيَأْتِيهِ الْأَمْرُ فَيَقُولُ (لَا أَدْرِي)، أَيْ: لَا أَعْلَمُ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَلَا أَتَّبِعُ غَيْرَهُ أَوْ لَا أَدْرِي قَوْلَ الرَّسُولِ (مَا وَجَدْنَا): مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ (فِي كِتَابِ اللَّهِ)، أَيِ: الْقُرْآنِ (اتَّبَعْنَاهُ): يَعْنِي: وَمَا وَجَدْنَاهُ فِي غَيْرِهِ لَا نَتَّبِعُهُ، أَيْ: وَهَذَا أَمْرُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ ﵊ أَوْ نَهَى عَنْهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَا نَتَّبِعْهُ، وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْ حَدِيثِهِ ﵊، لِأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنْهُ مَعْرِضٌ عَنِ الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٣ - ٤] وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ، كَذَا فِي الدُّرِّ، ثُمَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ ﵊ كَانَ مُجْتَهِدًا يُنَزِّلُ اجْتِهَادَهُ مَنْزِلَةَ الْوَحْيِ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ، وَإِذَا أَخْطَأَ يُنَبِّهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) . الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بَالْبَيْهَقِيِّ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ الْمُقَدَّرِ.
١٦٣ - وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ; أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُقْرُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ») .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى الدَّارِمِيُّ نَحْوَهُ، وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ إِلَى قَوْلِهِ: (كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ) .
ــ
١٦٣ - (وَعَنِ الْمِقْدَامِ): آخِرُهُ مِيمٌ كَأَوَّلِهِ، وَهُوَ أَبُو كَرِيمَةَ عَلَى الْأَشْهَرِ وَهُوَ كِنْدِيٌّ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَحَدِيثُهُ فِيهِمْ، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُونَ سَنَةً، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّحَابَةِ (ابْنِ مَعْدِ يكَرِبَ): بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْبَاءُ فَيَجُوزُ كَسْرُهَا مَعَ التَّنْوِينِ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ عَلَى الْبِنَاءِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ، وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ النُّسَخِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَلَا): حَرْفُ تَنْبِيهٍ، أَيْ: أُنَبِّهُكُمْ فَتَنَبَّهُوا (إِنِّي أُوتِيتُ)، أَيْ: أَتَانِيَ اللَّهُ (الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ)، أَيْ: أُعْطِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَ الْقُرْآنِ - حَالَ كَوْنِهِ مُنْضَمًّا - (مَعَهُ): وَهُوَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الْوَحْيِ الْبَاطِنِ غَيْرِ الْمَتْلُوِّ مِثْلَ مَا أُعْطِي مِنَ الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَحْيًا وَأُوتِيَ مِنَ التَّأْوِيلِ مِثْلَهُ، أَيْ: أُذِنَ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ فِي الْكِتَابِ فَيُعَمِّمَ وَيُخَصِّصَ وَيَزِيدَ وَيَنْقُصَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَلُزُومِ قَبُولِهِ كَالظَّاهِرِ الْمَتْلُوِّ مِنَ الْقُرْآنِ يَعْنِي: أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَأَحْكَامًا وَمَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا تُمَاثِلُ الْقُرْآنَ فِي كَوْنِهَا وَاجِبَةَ الْقَبُولِ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ (أَلَا): فِي تَكْرِيرِ كَلِمَةِ التَّنْبِيهِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ نَشَأَ مِنْ غَضَبٍ عَظِيمٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ اسْتِغْنَاءً بِالْكِتَابِ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَّحَ الرَّأْيَ عَلَى الْحَدِيثِ. كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَلِذَا رَجَّحَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الْحَدِيثَ وَلَوْ ضَعِيفًا عَلَى الرَّأْيِ وَلَوْ قَوِيًّا (يُوشِكُ): بِكَسْرِ الشِّينِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، أَيْ: يَقْرُبُ (رَجُلٌ شَبْعَانٌ): بِالضَّمِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ.
قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا وَصَفَهُ بِالشِّبَعِ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِمَّا الْبَلَادَةُ وَسُوءُ الْفَهْمِ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ الشِّبَعُ وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ، وَإِمَّا الْحَمَاقَةُ وَالْبَطَرُ وَمِنْ مُوجِبَاتِهِ التَّنَعُّمُ وَالْغُرُورُ بِالْمَالِ وَالْجَاهِ وَالشِّبَعُ يُكْنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ (عَلَى أَرِيكَتِهِ)، أَيْ: مُتَّكِئًا أَوْ جَالِسًا عَلَيْهَا، وَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِحَمَاقَةِ الْقَائِلِ وَبَطَرِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ.
1 / 246