مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
ناشر
دار الفكر
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
محل انتشار
بيروت - لبنان
(وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ): تَكَبُّرًا وَعِنَادًا أَوْ جَهْلًا وَاسْتِبْعَادًا (لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ): بَلْ طُرِدَ مِنَ الْبَابِ (وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ): بَلْ عُذِّبَ بِالْحِجَابِ (وَسَخَطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ): فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ؟ قِيلَ: السُّخْطُ فَوْقَ الْغَضَبِ وَالْمُقْتُ فَوْقَ السُّخْطِ (قَالَ)، أَيِ: النَّبِيُّ ﷺ أَوِ الْمَلَكُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَالتَّقْدِيرُ إِنْ أَرَدْتَ بَيَانَ هَذَا الْمِثَالِ (فَاللَّهُ السَّيِّدُ)، أَيِ: الْبَانِي الْمُرْسِلُ، وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ تَعَالَى (وَمُحَمَّدٌ الدَّاعِي، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّةُ): كَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ مَقَامِ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَذْكُورَاتِ فِي التَّمْثِيلِ كُلَّهَا مُبْتَدَآتٍ وَيُخْبِرَ عَنْهَا بِالصِّفَاتِ الْمُتَمَيِّزَاتِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ أَنَّ اللَّهَ وَمُحَمَّدًا عَلَمَانِ وَالْعَلَمُ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ مِنَ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ: زَيْدٌ أَخُوكَ، وَعَمْرٌو الْمُنْطَلِقُ، وَعَكْسُهُمَا حَيْثُ قَالُوا وَالضَّابِطُ فِي التَّقْدِيمِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلشَّيْءِ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ التَّعْرِيفِ وَعَرَفَ السَّامِعُ اتِّصَافَهُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَأَيُّهُمَا كَانَ بِحَيْثُ يَعْرِفُ السَّامِعُ اتِّصَافَ الذَّاتِ بِهِ وَهُوَ كَالطَّالِبِ بِحَسَبِ زَعْمِكَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْأُخْرَى يَجِبُ أَنْ تُقَدِّمَ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ تَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً، أَوْ أَيُّهُمَا كَانَ بِحَيْثُ يَجْهَلُ اتِّصَافَ الذَّاتِ بِهِ وَهُوَ كَالطَّالِبِ أَنْ تَحْكُمَ بِثُبُوتِهِ لِلذَّاتِ أَوِ انْتِفَائِهِ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يُؤَخِّرَ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ فَتَجْعَلَهُ خَبَرًا.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ شَبَّهَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الْجَنَّةَ بِالدَّارِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِسْلَامَ بِالدَّارِ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْدُبَةً؟ أُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ سَبَبًا لِدُخُولِهَا اكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِالْمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ، وَلَمَّا كَانَ الدَّعْوَةُ إِلَى الْجَنَّةِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وُضِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَلَمَّا كَانَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ وَبَهْجَتُهَا هُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَصْلِيُّ جَعَلَ الْجَنَّةَ نَفْسَ الْمَأْدُبَةِ مُبَالَغَةً. كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْسَعُ مِنَ الْجَنَّةِ. قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثُ: «مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي وَلَكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ» (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .
١٦٢ - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ») . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ)
ــ
١٦٢ - (وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ): مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اسْمُهُ أَسْلَمُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ، كَانَ قِبْطِيًّا وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا بُشِّرَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِسْلَامِ عَبَّاسٍ أَعْتَقَهُ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ بَدْرٍ، وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، مَاتَ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِيَسِيرٍ ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لَا أُلْفِيَنَّ): بِالنُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ مِنَ الْإِلْفَاءِ أَيْ لَا أَجِدَنَّ. (أَحَدَكُمْ): وَهُوَ كَقَوْلِكَ لَا أُرِيَنَّكِ هَاهُنَا نَهَى نَفْسَهُ أَنْ تَرَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْمُرَادُ نَهْيُهُمْ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ (مُتَّكِئًا): حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ (عَلَى أَرِيكَتِهِ)، أَيْ: سَرِيرِهِ الْمُزَيَّنِ بِالْحُلَلِ وَالْأَثْوَابِ فِي قُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ كَمَا لِلْعَرُوسِ يَعْنِي الَّذِي لَزِمَ الْبَيْتَ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ التَّرَفُّهُ وَالدَّعَةُ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُتَكَبِّرِ الْمُتَجَبِّرِ الْقَلِيلِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الدِّينِ (يَأْتِيهِ الْأَمْرُ)، أَيِ: الشَّأْنُ مِنْ شُئُونِ الدِّينِ، وَقِيلَ اللَّامُ زَائِدَةٌ (مِنْ أَمْرِي): بَيَانُ الْأَمْرِ أَوْ مَعْنَاهُ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِي أَيِ الشَّأْنِ مِنْ شُئُونِي (مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ): بَدَلٌ مِنْ أَمْرِي (أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ): عَطَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَعَمُّ مِنَ الْأَمْرِ (فَيَقُولُ): مُرَتَّبٌ عَلَى
1 / 245