رسالة الشكر والكفر
يسرك الله للخير، ويسر الخير على يديك، وهداك الله إلى الحق، وجعلك إلى الحق هاديا، ودلك الله على الصواب، وجعلك على الصواب دليلا، وعصمك الله من الشر الذي يلقي بأصحابه إلى التهلكة، وجنبك الباطل الذي يوفي بأهله على النار، وحماك من الخطأ الذي يورط أهله في الحيرة، ويشرف بهم على الزيغ، وألهمك الله شكر النعمة، فإنه تمام المروءة، وكمال الرجولة، وسبيل الاستزادة من الخير، وآية الارتفاع عن النقص، والتنزه عما يجعل الرجل نذلا فسلا، وخسيسا لئيما. ولهذا أخبر الله - عز وجل - بقلة الشاكرين للنعمة الذاكرين للعرف، فقال:
اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور . والله - عز وجل - يريد لعباده الخير، ويأبى لهم الشر، ويدعوهم إلى أن يرتفعوا عن النقائص، ويتنزهوا عن الصغائر، فهو يذكرهم بنعمه عليهم، وآلائه فيهم، ويأمرهم ألا ينسوا ما يهدي إليهم من فضل، ويسدي إليهم من معروف، وينذرهم بالعقاب الشديد، والعذاب الأليم إن كفروا النعمة أو جحدوا الصنيعة. يعجل لهم العذاب في الدنيا، ويؤجل لهم العذاب في الآخرة؛ ولهذا قال عز وجل في سبأ:
ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ، وقال في أهل مكة كما روي عن ابن عباس:
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
وقد أدب الله رسله المكرمين، وأنبياءه المعصومين بهذا الأدب فجعلهم حراصا على الشكر، أباة للكفر لا يمسهم جناح رحمة إلا شكروا، ولا تنزل بهم النائبات إلا صبروا عليها، وشكروا لله إلهامهم الصبر، وتمكينهم من الاحتمال؛ ولذلك قال عز وجل على لسان سليمان - عليه السلام - لما سخر له الريح، والجن، وعلمه منطق الطير، والحيوان:
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين .
ومن تمام الشكر لله ولي كل نعمة، والمبتدئ بكل إحسان؛ الشكر للمنعم من الناس، والقيام بمكافأته بما أمكن من قول وفعل؛ لأن الله تبارك وتعالى نظم الشكر له بالشكر لذي النعمة من خلقه، وأبى أن يقبلهما إلا معا لأن أحدهما دليل على الآخر، وموصول به، فمن ضيع شكر ذي نعمة من الخلق فأمر الله ضيع، وبشهادته استخف. ولقد جاء بذلك الخبر عن الطاهر الصادق
صلى الله عليه وسلم
فقال: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله.» ولعمري إن ذلك لموجود في الفطرة قائم في العقل؛ أن من كفر نعم الخلق كان لنعم الله أكفر؛ لأن الخلق يعطي بعضهم بعضا بالكلفة والمشقة، وثقل العطية على القلوب، والله يعطي بلا كلفة. ولهذه العلة جمع بين الشكر له، والشكر لذوي النعم من خلقه.
صفحه نامشخص