============================================================
دقيق، وعوارض عظيمة، حتى يسقط ذلك عنه، وفيه خطر من الغلط، فالأولان أسلم وأحفظ له، والله ولي الهداية بفضله.
وأما الرجل الثاني : فرجل يكون قدوة في العلم ، بحيث يحتاج الناس إليه في أمر دينهم لبيان حق، أو رد على مبتدع ، أو دعوة إلى خير بفعل أو بقول، أو نحو ذلك، فلا يسع هذا الرجل الاعتزال عن الناس ، بل ينصب نفسه بينهم ناصحا لخلق الله تعالى ، ذابا عن دين الله تعالى ، مبينا لأحكام الله تعالى، فلقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ظهرت البدع وسكت العالم. . فعليه لعنة الله 8(1).
هلذا إذا كان بينهم ، وإذا خرج من بينهم. . فلا يجوز له أيضا الاعتزال ، ولقد حكي : أن الأستاذ أبا بكر ابن فورك رحمه الله قصد أن ينفرد لعبادة الله تعالى عن الخلق، فبينما هو في بعض الجبال.. إذ سمع صوتا ينادي : يا أبا بكر؛ إذ صرت من حجج الله على خلقه. . تركت عباد الله تعالى ! فرجع، وكان هذا سبب صحبته للخلق وذكر لي مأمون بن أحمد رحمه الله : أن الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني رحمه الله قال لعباد جبل لبنان : يا أكلة الحشيش؛ تركثم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أيدي المبتدعة واشتغلتم هلهنا بأكل الحشيش! قالوا له: إنا لا نقوى على صحبة الناس، وإنما أعطاك اللهقوة فلزمك ذلك، فصنف بعد ذلك كتابه " الجامع للجلي والخفي".
وكان لهم رضي الله عنهم مع غزارة علمهم العمل الجم، والنظر الدقيق في سلوك طريق الاخرة .
واعلم : أن مثل هذا الرجل المحتاج إليه الناس في طروق باب الدين يحتاج في صحبة الخلق إلى أمرين شديدين :
صفحه ۷۷