============================================================
فتصير عنده كذلك ، وإنما يتعجب من هلذا الراغبون العميان عن عيب الدنيا وآفاتها، المغترؤون بظاهرها وزينتها، وسأضرب لك مثلا لذلك : فاعلم : أن هذا يمثل بإنسان صنع خبيصا بشرائطه من الشكر وغيره(1)، ثم طرح فيه قطعة سم قاتل، فأبصر ذلك رجل ولم يبصره آخر، ووضع الخبيص بين أيديهما مزينا مزخرفا ؛ فالرجل الذي أبصر ما جعل فيه من الشم يكون زاهدا في ذلك الخبيص، لا يخطرو بباله أن يتناول منه بحال ألبتة، ويكون ذلك عنده بمنزلة النار، بل أصعب؛ لمكان ما يعلم من آفته، ولا يغتر بظاهره وزينته، وأما الرجل الآخر الذي لم يبصر ما جعل فيه. . أغتر بظاهره المزخرف ، وحرص عليه، ولم يصبو عنه، وأخذ يتعجب من صاحبه الزاهد فيه، ورئما يسفهه في ذلك.
فهلذا مثل حرام الدنيا مع البصراء المستقيمين، والجهال الراغبين.
فإن لم يطرح فيه الشم، للكن بزق فيه أو أمتخط، ثم ضمخه وزينه؛ فالرجل الذي شاهد منه ذلك الفعل يكون مستقذرا لذلك الخبيص ، نافرا عنه، لا يكاد يقدم عليه إلا عند الضرورة وشدة الحاجة إليه ، والذي لم يشاهذ ذلك فهو جاهل بآفته، مغتر بظاهره، حريصن عليه، مكث معجبت محق فهذا مثل حلال الدنيا مع الفريقين ؛ أهل البصيرة والاستقامة، وأهل الرغبة والغفلة وإنما آختلف حال الرجلين مع تساويهما في الطبع والبنية لبصيرة وعلم كان لأحدهما، وجهل وغفلة وجفاء كان للآخر، فلو علم الراغب، وأبصر ما علمه الزاهذ.. لكان زاهدا مثله، ولو جهل الزاهذ، وعمي عما عمي عنه الراغب..
لكان راغبا مثله: فعلمت بذلك أن هذا التمييز لمكان البصائر دون الطبائع ، وهلذا أصل
صفحه ۶۹