١٥- إضاءة: فأما الوزن الذي سموه المضارع، فما أرى أن شيا من الاختلاق على العرب أحق بالتكذيب والرد منه، لأنه طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها. وما أراه أنتجه إلا شعبة بن برسام خطرت على فكر من وضعه قياسا. فيا ليته لم يضعه ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها، فإنه أسخف وزن سمع، فلا سبيل إلى قبوله ولا العمل عليه أصلا.
١٦- تنوير: فعلى ما قدمته من ضروب تقادير التجزئة في الأوزان العربية والملحقة بها والمشكوك في كونها عربية أو ملحقة يجب أن يعتمد؛ فإن استيفاء قسمة الوضع المتناسب في الأوزان يقتضي أن تكون تقديرات هذه الأوزان على النحو الذي ذكرته وأن تكون تجزئتها على الصفة التي قدمتها.
فمن كان له أدنى بصيرة لم يتخالجه الشك في أن الصحيح ما ذكرته لاستناد ما قلته إلى علم اللسان الكلي الذي لا تتبين أصول علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه، ولكون علم اللسان الكلي منشأ على أصول منطقية وآراء فلسفية موسيقية وغير ذلك. فلذلك كان كلامنا في ذلك أهلا لأن يوثق به ويركن إليه.
١٧- إضاءة: وأكثر الأوزان التي ذكرتها تتنوع أعاريضها وضروبها. وذلك إما أن يكون بحذف جزء برأسه، أو بحذف ساكن من وتد أو سبب متطرف في جزء العروض أو الضرب وإسكان ما قبله، أو بحذف ساكن ضوعف به سبب أو وتد، أو بحذف الوتد أو السبب رأسا، أو بإسكان ما قبل الوتد أو السبب بعد حذفه، أو بالتزام بعض الزحافات في جزأي العروض والضرب، أو بزيادة سبب على جزء الضرب ويسمى ذلك ترفيلا، أو بزيادة ساكن مصوت قبل آخر حرف من جزء الضرب ويسمى ذلك إسباغا وإذالة.
١٨- تنوير: ووقوع هذه العلل والتغايير في عروض عروض وضرب وضرب من أعاريض الوزان التي قدمت ذكرها وضروبها على التفصيل يعرفها من تلقاء نفسه من له ذوق صحيح وحصل له قسط مقنع من الاستقراء وشد مع ذلك شيئا من هذه الصناعة. ومن لم يكن له ذوق، فإنهم حصروا عامة ما نوعت العرب إليه نهايات الأشطار من أبنية أوزانها من الأعاريض والضروب.
فإن هذه الصناعة لا يليق بها أن تخرج إلى محض صناعات اللسان الجزئية، وأن تستقصى فيها تفاصيل تلك الصناعات. وإنما نتكلم من ذلك في ما له علقة بصناعة البلاغة أو في ما عسى المتكلم في هذه الصناعة أن يستطرد إليه من ذلك. وأكثر ما يتكلم البليغ أيضًا من ذلك في قوانين كلية يمكن أن تستنبط منها أشياء في نصاعات اللسان الجزئية. فلهذا وكلنا ذكر ما وقع من تغيير تغيير في عروض عروض وضرب ضرب من وزن وزن لصاحب صناعة العروض. فليتصفح هنالك، وبالله التوفيق.
ب- معرف دال على طرق المعرفة بما وقع في أوزان العرب من ضروب التركيبات المتلائمة، وأنواع الترتيبات المتناسبة، وما لوحظ فيها مما حسن عندهم أن يهيئوا بهيئته، وبمقدار ما أوقعوه في وزن وزن من ذلك.
لما كان جميع ما يدركه الإنسان لا يخلو من أن يكون شيئا بسيطا لا تنوع فيه أصلا أو يكون له تنوع من جهة ما يكون من الأشياء المركبة، وكانت شيمة النفس التي جبلت عليها حب النقلة من الأشياء التي لها بها استمتاع إلى بعض، كانت جديرة أن تسأم التمادي على الشيء البسيط الذي لا تنوع فيه بنقلها من شيء إلى شيء ما لا تسأم الشيء الذي له تنوع يمكنها معه المراوحة بين تأمل الشيء وتأمل غيره مما يكون تنوع ذلك الشيء إليه، وإن كانت أيضًا تحب النقلة من الشيء المتنوع إلى غيره من المتنوعات لكنها تحتمل من التمادي عليه ما لا تحتمل من التمادي على ما تنوع له أصلا.
١- إضاءة: وكلما وردت أنواع الشيء ضروبه مترتبة على نظام متشاكل وتأليف متناسب كان ذلك أدعى لتعجيب النفس وإبلاغها بالاستماع من الشيء، ووقع منها الموقع الذي ترتاح له.
1 / 78