٩- إضاءة: وقد فصلوا أيضًا في بعض مقصرات الأوزان أن يوقعوا فيها من اقترانات الأسباب والأوتاد ما لم يوقعوه في مطولاتها.
فمن ذلك اقتران السببين الثقيل والخفيف والوتد المجموع والمضاعف في الضرب السادس من الكامل. وهو الذي آخر أجزائه متفاعلان، واقتران الوتد المجموع والسبب الخفيف والسبب المتوالي في الرمل في الضرب الذي آخر أجزائه فاعليان.
١٠- تنوير: ولنرجع إلى ما كنا شرعنا فيه من الكلام في الأوزان المتركبة من السباعيات المتغايرة فنقول: إن عروض السريع وعروض كل وزن كانت غاية ضربه سببا متواليا أو وتدا متضاعفا بان ترد السبب والوتد إلى أصليهما بحذف الساكن الأخير من كليهما.
١١- إضاءة: ومن تركيب السباعيات المتغايرة ما يتوسط فيه المفرد ويتطرف الجزءان المتماثلان كالخفيف، وتقدير كلا شطريه: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن، نحو قول أبي دهبل: (الخفيف -ق- المترادف)
صاح حي الإله أهلا ودارا ... عند أصل القناة من جيرون
فأما ما يتقدم فيه المفرد على المزدوجين فمهمل في أوزان العرب، لأن الجزأين المتكررين أثقل من المفرد. فالصدر أولى بهما على قياساتهم، وتصدير الأشطار أيضًا بما يظهر فيه التناسب أولى من تصديرها بما لا يظهر فيه تناسب. ولهذا ولاعتبارات أخر أيضًا أهملوا هذا الضرب من الأبنية الوزنية.
وقد وضع بعض الشعراء الأندلسيين على هذا البناء وزنا إلا أنه جعل الجزأين المزدوجين خماسيين فرارا من الثقل الواقع بتشافع السباعيين في النهاية، فكان التشافع في ذلك الوضع أخف في الخماسي وذلك قوله: (المديد -ق- المتدارك)
أقصر عن لومي اللائم ... لما درى أنني هائم
تقدير شطره: مستفعلن فاعلن فاعلن.
وقد تقدم أن من مقصرات المديد ما يصير إلى هذا الوضع أعني الوضع الذي يصدر الشطر فيه بالجزء المفرد ويعقب بالجزأين المتشافعين.
١٢-تنوير: فأما المتركب من سباعي وتساعي فهو من وضع المتأخرين من شعراء المشرق. جعلوا الجزء المفرد فيه تساعيا والمتشافعين سباعيين، فقدموا التساعي وتلوه بما يناسبه من السباعيات، وجعلوه الجزء الثاني من السباعيين في أكثر استعمال - وهو المستطاب في الذوق والأحسن في الوضع - ينقص عن الأول ليكون كل واحد من الجزاء أخف مما قبله. وتحرروا في ذلك أن يكون كل جزء مناسبا لما قبله، وذلك هو الوزن الذي يسمونه الدبيتي وشطره المستعمل: مستفعلتن مستفعلن مفتعلن، نحو قول القائل: (الدبيتي -ق- المتراكب)
هذا ولهي، وقد كتمت الولها ... صونا لحديث من هوى النفس لها
يا آخر محبتي ويا أولها ... أيام عنائي فيك ما أطولها
وقد يجيء الجزء الأخير على مستفعلن، وهو الأصل، ولكن في الأقل. ويستعمل أيضًا مقطوعا فيصير مستفعلن إلى مفعولن نحو قول بعضهم: (الدبيتي -ق- المترادف)
ما أشوقني إلى نسيم الرند ... يشفي كمدى، إذا أتى من نجد
ويشعثون الفاصلة التي في الجزء الأول فيصير مستفعلتن إلى مفعولاتن، نحو قوله: (الدبيتي -ق- المترادف)
شوقي شوقي به ووجدي وجدي
١٣ - إضاءة: فأما المتركب من خماسي وسباعي وتساعي فبنته العرب على أن تكون النقلة فيه من الأثقل إلى الأخف ومن الجزء إلى ما يناسبه فبدأوا بالتساعي وتلوه بسباعي يناسبه وتلوه بخماسي يناسب السباعي، والتزموا الخبن في الضرب وهو جزء القافية. وهذا الوزن هو المنسرح. وبناء شطره: مستفعلاتن مستفعلن فاعلن. والخبن في فاعلن في العروض أحسن.
١٤- تنوير: فالأوزان التي ثبت وضعها عن العرب أربعة عشر وزنا. وهي: الطويل، والبسيط، والمديد، والوافر، والكامل، والرجز، والرمل، والهزج، والمنسرح، والخفيف، والسريع، والمتقارب، والمقتضب، والمجتث. وإن كان المقتضب والمجتث لي لهما تلك الشهرة في كلامهم.
والذي يشك في وضع العرب له الخبب.
والذي لم يثبت للعرب أصلا بل هو من وضع المحدثين الوزن الذي يسمى الدبيتي، ولا بأس بالعمل عليه، فإنه مستطرف ووضعه متناسب.
1 / 77