ونحو من ذلك حسن تصرفه في الشعر الذي رثى فيه بعض القيان، وهو الذي يقول فيه: (الخفيف -ق- المتراكب)
سيشفع الحور فيه أنك منهن بذاك الدلال والحور
٧- إضاءة: والتصرف في الثواني يتفاوت الشعراء فيه بحسب توفر حظ كل واحد منهم في القوى المتخيلة والشاعرة بالمناسبات الواقعة بين بعض المعاني وبعض المتهدية لأنحاء الانتقالات من الأول إلى الثواني والوجوه التي يكون بها بعضها من بعض بسبب من حيث كان تعليق المعنى الثاني بالأول إنما يكون على هذه الأنحاء: فمنهم من حظه أوفر الحظوظ من ذلك، ومنهم من حظه أدنى الحظوظ، ومنهم وسط بين الطرفين.
٨- تنوير: ومن الشعراء من يحسن القول في جهة واحدة ولا يحسن أن يردف قوله في جهة بقوله في جهة وأن ينتقل من إحداهما إلى الأخرى انتقالا لطيفا، ومنهم من يحسن إرداف الجهة بالجهة المناسبة لها ولا يحسن إردافها بما لا يناسبها فلا تتأتى النقلة لذلك من إحداهما إلى الأخرى إلا بمآخذ في الانتقالات لطيفة ومنازع في الالتفاتات بديعة، ومنهم من يحسن إرداف الجهات بالجهات في جميع ذلك.
وطبقات الشعراء في الإحسان في كل ذلك تتفاوت بحسب ما تكون عليه أفكارهم من التهدي إلى ضروب الانتقالات وأنحاء الالتفاتات.
٩- إضاءة: وللشعراء مذاهب في ما يعتمدون إيقاعه فيا لجهات التي يعتمدون فيها لقول من الأنحاء المستحسنة في الكلام كالوصاف والتشبيهات والحكم والتواريخ. فقل ما يشذ من مستحسن الكلام عن هذه الأنحاء الأربعة شيء.
فمنهم من تشتد عنايته بالأوصاف كالبحتري، وبالتشبيه كابن المعتز، وبالأمثال كالمتنبي، وبالتواريخ كابن دراج القسطلي.
ومنهم من يتوفر قسطه من جميع ذلك كأبي تمام، وإن كان غيره أشف منه في التشبيه والحكم.
ولابن الرومي في الإحاطة بالأوصاف والتشبيهات المجال المتسع، وابن دراج أيضًا في الأوصاف والتشبيهات متسع المجال.
١٠- تنوير: فأما الأوصاف فتقتبس من الجهات التي القول فيها. وأما التواريخ فتقتبس من غير الجهة التي فيها القول. وأما التشبيهات والحكم فتارة تقتبس من الجهة التي فيها القول وتارة تقتبس من جهة ثانية.
وأنا أذكر ما تتنوع إليه هذه الجناس الأربعة ذكرا إجماليا على سبيل الإشارة.
١١- إضاءة: أما الأوصاف فإنهما تتنوع إلى وصف مطلق، وإضافي، وشرطي، وفرضي. ولكل واحد منها مواضع يليق بها ولا يصلح فيها غيره. وقد تقدم التعريف بجملة من أحكام الأوصاف وكيفيات التصرف فيها يمكن أن تعرف بها ما جرى مجراها. فكان ذلك مغنيا عن أن نشغل هذا الموضع بإعادة الكلام في ذلك.
١٢- تنوير: وأما التشبيهات فمنها ما يتعلق الشبه فيه بالصور والخلق ومنها ما يتعلق الشبه فيه بالأفعال والصفات. وكلا التشبيهين لا يخلو من أن يكون تشبيه الشيء فيه بما هو من نوعه أو بما هو من جنسه الأقرب أو بما هو من جنسه الأبعد أو بما ليس من جنسه.
وتشبيه الشيء بالشيء يكون أن يتفق معه في صفة تكون في أحدهما على حدها في الآخر أو بنسبة منها أو في أكثر من صفة، فأما أن يتفق معه في جميع الصفات فلا يمكن، وإلا فكان يلزم لو اتفق معه في جميع ذلك أن يكون حقيقة هذا حقيقة ذلك من جميع الجهات وذلك غير ممكن. وقد تقدم التعريف بأنحاء التشبيهات وأحكامها وكيفيات التصرف فلا معنى لإعادته أيضا.
١٣- إضاءة: وأما التواريخ والقصص فإما أن تكون الإحالة فيها إحالة تذكرة أو إحالة محاكاة أو مفاضلة أو إضراب أو إضافة؛ وقد تكون من جهات أخر غير هذه.
وقد تقدمت الإشارة إلى جمل من الأمور التي بها يتسبب إلى ذكر الأخبار الماضية والقصص السالفة فليتأمل القول في ذلك هنالك.
١٤- تنوير: وأما الحكم والأمثال فإما أن تكون الأخبار فيه يجرى الأمور على المعتاد فيها وإما بزوالها في وقت عن المعتاد على جهة الغرابة والندور أو الندور فقط لتوطن النفوس بذلك على ما لا يمكنها التحرز منه أو لا يحسن بها التحرز من ذلك، ولتحذر مما يمكنها التحرز منه ويحسن بها ذلك، ولترغب فيما يجب أن ترغب فيه وترهب مما يجب أن ترهبه، وليقرب عندها ما تستبعده ويبعد لديها ما تستقربه، ولتبين لها أسباب الأمور وجهات اتفاقات البديعة الاتفاق منها.
1 / 70