٢١- إضاءة: وأحوال كل واحدة من الطبقات الثلاثة المتقدم ذكرهم قد تختلف في السرعة في جميع ذلك والإبطاء بحسب ما تكون عليه الخواطر من نشاط أو كسل أو حال بين الحالين، وبحسب ما تكون عليه دواعي الأفكار إلى استعمال الأقاويل الشعرية وإنشائها والأسباب البواعث على ذلك من توفر أو غير ذلك.
ج- معلم دال على طرق العلم بكيفية العمل في المروى والمرتجل
ومآخذ القول في الارتجال قريبة سهلة لكون ضيق الوقت يمنع من بعد المذهب في ذلك. ولا يخلو ارتجال من أن يكون مستقصى فيه ما كان من صفات الشيء المقول فيه لائقا بغرض القول أو غير مستقصى. وكلاهما لا يخلو من أن يكون مقرونا فيه بين المعاني المتعلقة بالشيء الموصوف وبين معان أخر يكون لها به علقة ولها إليه نسبة على سبيل تشبيه أو إحالة أو تعليل أو تتميم أو غير ذلك مما يكون به بعض المعاني بسبب من بعض، أو أن تكون المعاني المتعلقة بالشيء الموصوف غير مقترن بها شيء من المعاني.
فأقاويل البديهة إذن أربعة أنماط: ١- قول مستقصى مقترن، ٢- ومستقصى غير مقترن، ٣- ومقترن غير مستقصى، ٤- وغير مستقصى ولا مقترن.
وأفضلها الأول وأدناها الآخر. فعلى أحد هذه الأربعة الأنحاء يتخيل المرتجل ما يريد أن يقوله في وصف الشيء ثم يأخذ في نظم ذلك الشيء على النحو الذي تقدم ذكره وعلى ما نقوله بعد إن شاء الله. ويتسامح في كثير مما يتأنق فيه المروي ويقبل كثيرا مما لا يقبله المهذب المنقح لضيق الوقت عليه واتساعه على ذلك.
١- إضاءة: فإما الروية فإن المباحث فيها كثيرة والمذاهب فيها بعيدة لكون الزمان فيها يتسع لطلب الغايات المستطاعة من بناء الكلام على ما قدمته من أصناف محاسن الألفاظ والمعاني وإبداع النظم والتأنق في إحكام الأسلوب. والذي يدخل في الروية من تلك الأنماط ثلاثة وهي: المستقصى المقترن والمقترن غير المستقصى والمستقصى غير المقترن.
والنمط الأول هو العريق في طريق الروية. وإذا حقق القول وجد المستقصى المقترن قليل الوقوع في الارتجال. فأنماط الارتجال أيضًا كأنها إذا حققت ثلاثة. وهي ما عدا المستقصى المقترن.
٢- تنوير: وللشاعر المروي في كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة أربعة مواطن للبحث: ١- موطن قبل الشروع فيا لنظم، ٢- وموطن قي حال الشروع، ٣- وموطن عند الفراغ، يبحث فيه عما هو راجع إلى النظم، ٤- وموطن بعد ذلك متراخ عن زمان القول يبحث فيه عن معان خارجة عما وقع في النظم لتكمل بها المعاني الواقعة في النظم وتسوفى بها أركان الأغراض ويكمل التئام المقاصد.
فأما الموطن الأول فالغناء (فيه) لقوة التخيل.
والموطن الثاني الغناء فيه للقوة الناظمة. ويعنيها حفظ اللغة وحسن التصرف.
والموطن الثالث الغناء فيه للقوة الملاحظة كل نحو من الأنحاء التي يمكن أن يتغير الكلام إليها، ويعينها حفظ اللغة أيضًا وجودة التصرف والبصيرة بطرق اعتبار بعض الألفاظ والمعاني من بعض.
والموطن الرابع الغناء فيه للقوة المستقصية الملتفتة، ويعينها حفظ المعاني والتواريخ وضروب المعارف.
٣- إضاءة: وبعد استقصاء وجوه المباحث في هذه المواطن الأربعة وكمال انتظام القصيدة المرواة، قد يعرضها الناظم على نفسه، فيظهر له بعرضها أمور كانت قد خفيت عنه من إلحاقات وإبدالات وتغيرات وحذف. وقد يعرض للشاعر موضع يرى أنه خليق بالتغيير أو الزيادة فيتعذر عليه ما يليق بالموضع من التغيير أو الزيادة فيرجيء النظر فيه إلى وقت آخر. وقد يعاود النظر في ذلك المرار الكثيرة فلا يتيسر له ما يريد إلا بعد معاودات كثيرة قد تطرأ عله معاودة النظر إلى كتب القصيدة. وربما كان غير ملفت إلى إصلاح ذلك الخلل ونشأ مع فكره إعمال خاطر في ذلك. فيغتنم الفرصة إذاك في إصلاح ذا وشأن الخواطر في هذا عجيب.
٤- تنوير: ومن أصحاب الروية من يجهد في استجداد العبارات والتأنق فيها من جهة الوضع والترتيب. ومنهم من لا يستجد ولا يتأنق. ومنهم من يستجد العبارة دون المعنى أو المعنى دون العبارة، ومن يتأنق في العبارة دون المعنى أو المعنى دون العبارة.
فأما من لا يستجد ولا يتأنق فيه فليس يصدر عن مطبوع بروية.
1 / 68