من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
ژانرها
5 (ج) وفي «الصورة الأولى والمادة الأولى» لا يذكر إلا الحكيم (مرة واحدة) دون أن يعني أرسطو بالضرورة، بل أي حكيم من الوافد أو الموروث في موضوع طبيعي إلهي باعتبارهما علما واحدا؛ فالطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل، والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى.
6
ويبدو فيها ابن باجه جامعا علم الكندي، ومنطق الفارابي، وإشراقيات ابن سينا. كما يحيل إلى بعض مؤلفات أرسطو؛ فقد تحول الوافد إلى نصوص وليس أشخاصا، إلى مؤلفات وليس مؤلفين، بداية للتحول من الشخص إلى العلم، ومن التراث العلمي إلى العلم ذاته؛ فإذا كانت أول الصورة تحصل في المادة هي صورة الأسطقسات لأنها بسائط الموجودات، يحيل ابن باجه إلى «الكون والفساد» ثم «الآثار العلوية» و«السماء والعالم»، كنوع من الأدبيات السابقة.
7
ابن باجه هو الدارس، وأرسطو هو صاحب الأدبيات في الموضوع قبله. وما زال يستعمل لفظ «الأسطقسات» معربا.
8 (د) وفي «تراتب العقول وخلودها» يذكر من الوافد كتاب «إيضاح الخير» (مرة واحدة)، وليس اسم علم، تحولا من المؤلف إلى النص، ومن النص إلى العلم، كنوع من التأكيد والتثبت من الموضوع الذي درسه ابن باجه من قبل مع تحديد للأبواب الرابع والمائة والخامسة والمائة والسادس والمائة؛ مما يدل على معرفة دقيقة بالكتاب . ولا يذكر مؤلفه نظرا لشهرته لأولوية النص على الشخص، وإمكانية نسبة النص إلى أكثر من شخص، وربما هو كتاب «الخير المحض» المنسوب إلى البغدادي، والمنتحل على النسق الأفلوطيني. والرسالة دينية الطابع، تبين ثلاثة أمور للتقرب إلى الله، ذكره باللسان تمجيدا أو تعظيما، وأخذ الجوارح بما يعطيه القلب، وتجنب ما ينهى عن ذكره أو يشغل القلب عنه، وذلك كله لا يتم إلا بالصبر على الدوام معه. وتنتهي الرسالة بمخاطبة القارئ وتبصرته، إذا أخذ ما فيها كان من المخلصين لله، ولا يتم ذلك إلا بالصبر على إدامته.
9 (2) ابن رشد
وبالرغم من الصورة الشائعة عن ابن رشد (595ه) أنه «الشارح الأعظم»، أي أنه يقوم بتمثل الوافد، إلا أن الشروح والملخصات والجوامع كانت في الحقيقة استعمال الوافد لنقد الموروث، خاصة علم الأشعرية؛ أي الكلام، والفلسفة الإشراقية، خاصة ابن سينا، ولكن يظهر تمثل الوافد في مقالاته الصغيرة المنطقية والطبيعية (ثمانية عشر مقالا) فيما لا يتجاوز مقالين طبيعيين «في المزاج»، و«في البذور والزروع». (أ) «في المزاج». يتقدم جالينوس باعتباره منطقيا وطبيعيا، ثم أرسطو. ويختفي الشراح نظرا لأن المقالة في الطب، وجالينوس هو الطبيب، وليس أرسطو. ويحال إلى القدماء ثم إلى الفلاسفة والمفسرين على العموم. كما يحال إلى «في المزاج» نفسه ربطا لأجزائه وتفسيرا للكتاب بالكتاب، ثم إلى «الكون والفساد» و«الآثار العلوية».
10
ويدافع ابن رشد عن أرسطو ضد سوء تأويل جالينوس له عندما جعل المفاعلات أربعة؛ الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة؛ مع أنهما عند أرسطو اثنان فقط؛ فقد أخطأ جالينوس تصور الأربعة بضرب اثنين في اثنين، فاعل ومنفعل. عند أرسطو الحرارة والبرودة فاعلتان، واليبوسة والرطوبة منفعلتان، وعلاقة الصورة بالهيولى هي علاقة الفاعل بالمنفعل. وخطأ جالينوس قياسه الكل على أنه فاعل ومنفعل كأضداد. ويقوم ابن رشد بدور الحكم والقاضي والإمام الواحد، ويبحث عن سبب سوء التأويل كما يفعل القاضي لمعرفة أدلة الاتهام أو البراءة، اتهام جالينوس، وبراءة أرسطو. وسؤال ابن رشد إلى أي حد يمكن إضافة جالينوس إلى الرأي القديم في المزاج يوافق الأصول الطبيعية، ويدل على البحث عن الأصل، كما هو الحال عند الأصوليين.
صفحه نامشخص