من حي الى ميت: الى اخي
من حي إلى ميت: إلى أخي
ژانرها
وأما رأيي في الصوم فهو أمر صحي أكثر مما هو روحي، وهو واجب أن يتبعه الناس الذين تعودوا بأن يأكلوا أكثر من حاجاتهم، فترتاح معدهم من الهضم ردحا؛ كي تستعيد قوتها لحمل أعبائها.
وأما الذين يعتقدون بأن الغني إذا صام وشعر بالجوع يشعر مع الفقراء والمعوزين، فهذا أمر لا أعتقد به، فضلا عن أن الأغنياء لا يصومون إلا نادرا؛ لأن الشعور بمحبة الإحسان هو شعور أدبي صرف، لا دخل له في البطون الملآنة أو الطاوية.
فكم محسن لا يصوم أبدا! وكم صائم لا يحسن أبدا!
فلم ينشرح صديقي من جوابي؛ لأنه كان يعتقد الصوم وحيا أنزل من الله على عباده، ثم أخذ يجادلني، معربا لي عما جاء في الكتابين الطاهرين: الإنجيل، والقرآن عن إرادة الله العليا في الصوم وعن كثرة فائدته.
وبينا هو متحمس في كلامه إذ برجل صائم يمر بقربنا، وبعد أن جاهر بصومه، أخذ - من أجل مسألة تافهة - يشتم رفيقا له بعبارات بذيئة سافلة، تنم على قلة أدبه، ونزوعه إلى الإثم والمشاحنة.
فعندئذ قلت لرفيقي: ماذا ينفع الصوم هذا الرجل؟ أفما كان أولى به ألا يصوم أبدا، وأن يسعى لصون لسانه؛ كي لا يكون هكذا شتاما للناس، ثالما لأعراضهم.
كل رجل فظ يصوم مرغما لا يجديه الصوم نفعا بل ضرا؛ لأن الصوم يحرك به حاسة الجوع، وهذه تزيد من سوء خلقه، وفظاظة طباعه.
يا أخي:
لم يزل معظم البشر حتى في هذا العصر - الذي يدعى عصر العلم والتمدن - يهتمون بالقشور دون اللباب.
الرسالة الثانية والأربعون1
صفحه نامشخص