ثم سارت الخطة على نحو خاطئ. وعلي أن أعترف أن ذلك كان خطأ إلينور؛ فهي لم تكن معتادة على التعامل مع النساء، وكان من سياستها ألا تتعامل معهن. فقد كان التعامل مع الرجال بسيطا، وكانت تعرف كيف تقنعهم وتتملقهم. فحتى بعد أن كانوا يدفعون لها المال، لم يكن الرجال ليصبحوا في عداوة معها إطلاقا. ولم تكن إلينور تطيق صبرا على تذبذبات لويزا العاطفية. فبالنسبة إليها كان الأمر مسألة تفكير سليم؛ فقد كانت هناك حاجة ماسة وضرورية لإيجاد منزل لجورجي، وكان بإمكانها هي أن توفر منزلا أعلى مقاما من منزل عائلة سيمبكنز بكثير. وببساطة لم تكن لويزا تحب إلينور وبدأت ثقتها فيها تتزعزع؛ فقد كانت إلينور تتحدث كثيرا عن ضرورة حصولها على الثلاثين جنيها التي وعدنا بها عائلة سيمبكنز. وأخيرا وافقت لويزا على أن يؤخذ الطفل بحسب المخطط، لكن كانت هناك دائما المخاطرة التي تتمثل في عناد لويزا في اللحظة التي ستبتعد فيها عن طفلها. لهذا السبب كنت أريد ديني معنا حين ذهبنا لنأخذ جورجي. كنت واثقا من أن بيدويل سيكون في منزل بيمبرلي، وأن كل خادم آخر سيكون مشغولا للغاية، وكنت أعرف أنه لن تكون هناك مشكلة في أن تدخل عربة أختي من البوابة الشمالية الغربية لعزبة بيمبرلي. فمن المذهل ما يمكن لشلن أو اثنين أن يفعلاه من تذليل لمثل هذه الصعوبات الصغيرة. كانت إلينور قد رتبت من قبل لقاء في حانة كينجز آرمز في لامتون مع الكولونيل في الليلة السابقة للحفل من أجل أن تخبره بتغير الخطة.»
قال الكولونيل فيتزويليام: «بالطبع لم أر السيدة يونج منذ كنا نجري معها مقابلة للعمل كمربية. وقد أذهلتني بسحرها الآن كما فعلت حينها. كما قدمت لي تفاصيل عن وضعها المالي. وقد أخبرت دارسي عن أنني كنت مقتنعا بأن ما تقدمه من اقتراح سيكون هو الأفضل من أجل الطفل، وبالطبع ما زلت أومن أنه سيكون من الأفضل للسيدة يونج أن تتبنى جورجي . وبعد أن أخذت على عاتقي الذهاب إلى كوخ الغابة حين كنا في طريقنا للتحقق من أمر طلقات النار، فكرت أنه من الصواب أن أخبر لويزا أن عشيقها هو ويكهام، وأنه متزوج وأنه وصديق له كانا مفقودين في الغابة. بعد هذا لن يكون هناك أي أمل أبدا للسيدة يونج - وهي صديقة ويكهام وكاتمة أسراره - أن تحصل على الطفل.»
فقال دارسي: «لكن لم يكن هناك أي خلاف قط على أن تكون لويزا قادرة على اتخاذ قرار بهذا الشأن.» ثم التفت دارسي إلى ويكهام. واستطرد: «كنت تضع في حسبانك أنك ستأخذ الطفل عنوة لو لزم الأمر.»
فقال ويكهام في لا مبالاة واضحة: «كنت سأفعل أي شيء، أي شيء، لأجعل إلينور تحصل على جورجي. إنه ابني، وكان مستقبله هو ما يهم كلينا. ومنذ تقابلنا أنا وإلينور وأنا لم أكن قادرا قط على إعطائها أي شيء في مقابل دعمها وحبها. والآن كان لدي شيء يمكنني أن أعطيها إياه، شيء كانت تريده هي بشدة، ولم أكن لأسمح لغباء لويزا وترددها أن يعرقلا ذلك.»
فقال دارسي: «وما هي تلك الحياة التي كان ذلك الطفل ليحياها، حين تربيه امرأة كتلك؟»
لم يجبه ويكهام. كانت أعينهم جميعا مثبتة عليه ورأى دارسي - من بين خليط من مشاعر الذعر والشفقة - أن ويكهام كان يكافح من أجل أن يسيطر على انفعالاته. كان سلوك الثقة الذي كان يروي به قصته - والذي يكاد يرقى إلى اللامبالاة - قد اختفى. مد ويكهام يده المرتجفة ليحصل على القهوة، لكن عينيه كانتا غارقتين بالدموع، فلم يكن يرى شيئا، ولم يفعل سوى أنه أسقط القهوة من على الطاولة. لكن أحدا لم يتحدث، ولم يتحرك حتى انحنى الكولونيل ووضع إبريق القهوة في مكانه بعد أن التقطه من على الأرض.
وفي النهاية وبعد أن سيطر ويكهام على نفسه قال: «كان الطفل سيجد الحب، أكثر مما وجدت أنا في طفولتي، أو أنت في طفولتك يا دارسي. إن أختي لم تلد طفلا قط، والآن كانت هناك فرصة أن تولي رعايتها لطفلي. ليس لدي شك أنها طلبت المال، فتلك كانت الطريقة التي تعيش بها، لكنها كانت ستنفق ذلك المال على الطفل. لقد رأته أختي. إنه طفل جميل. ابني طفل جميل. والآن لن أتمكن من رؤية أي منهما مرة أخرى أبدا.»
جاء صوت دارسي خشنا. «لكنك لم تستطع أن تقاوم مغريات الإفضاء إلى ديني. لم يكن أمامك للمواجهة سوى امرأة عجوز ولويزا، وآخر شيء كنت تريده هو أن تصاب لويزا بالهستيريا وترفض أن تسلم الطفل. كان لا بد أن يتم كل شيء في هدوء إن كنت لا تريد أن تثير انتباه الأخ المريض. كنت في حاجة إلى رجل آخر، صديق يمكن لك أن تعتمد عليه، لكن ديني لم يكن ليشارك قط في الأمر بمجرد أن فهم أنك ستأخذ الطفل عنوة إن لزم الأمر، رغم أنك وعدتها بالزواج، وهذا هو سبب تركه للعربة. كان اللغز أمامنا هو سبب ابتعاد ديني عن الطريق الذي كان سيعود من عليه إلى الحانة، أو لماذا لم يظل في العربة على نحو معقول أكثر حتى تصل العربة إلى لامتون عندما كان سيصبح بمقدوره أن يغادر من دون تفسير. لقد مات لأنه كان في طريقه ليحذر لويزا بيدويل من نواياك. والكلمات التي نطقت بها على جثته كانت حقيقية. أنت قتلت صديقك. لقد قتلته كما لو أنك ضربته بسيف. أما ويل، الذي كان يحتضر وحيدا، فقد ظن أنه كان يحمي أخته من غاو لها. وبدلا من ذلك فقد قتل الرجل الوحيد الذي كان قد أتى من أجل تقديم المساعدة.»
لكن ويكهام كان يفكر في موت شخص آخر. فقال: «حين سمعت إلينور كلمة «مذنب» كانت حياتها قد انتهت. كانت تعلم أنني سأكون ميتا في غضون ساعات. كانت ستقف عند سفح المشنقة وتشهد آخر معاناتي إن كان في ذلك راحة لي في خاتمتي، لكن هناك بعض الفظائع والأهوال التي لا يمكن حتى للحب أن يصمد أمامها. ليس لدي شك أنها كانت قد خططت لموتها من قبل. فقد خسرتني أنا والطفل، لكن على الأقل كان بإمكانها أن تحرص على أنها سترقد مثلي في قبر مدنس.»
كان دارسي على وشك أن يقول إن تلك المهانة الأخيرة كان تفاديها ممكنا، لكن ويكهام أخرسه بنظرة منه وقال: «كنت تزدري إلينور في حياتها، فلا تتفضل عليها الآن وقد ماتت. إن القس كورنبندر يقوم بما هو ضروري ولسنا في حاجة إلى مساعدة منك. فهو يتمتع بسلطة في مجالات بعينها في الحياة لا يتمتع بها حتى السيد دارسي مالك بيمبرلي.»
صفحه نامشخص