موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

ابن محمد جمال الدین قاسمی d. 1332 AH
95

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

پژوهشگر

مأمون بن محيي الدين الجنان

ناشر

دار الكتب العلمية

الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالْإِجَابَةِ قَضَاءَ شَهْوَةِ الْبَطْنِ فَيَكُونَ عَامِلًا فِي أَبْوَابِ الدُّنْيَا، بَلْ يُحَسِّنُ نِيَّتَهُ لِيَصِيرَ بِالْإِجَابَةِ عَامِلًا لِلْآخِرَةِ فَيَنْوِي الِاقْتِدَاءَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِكْرَامَ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَزِيَارَتَهُ لِيَكُونَا مِنَ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ، وَيَنْوِي صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنْ أَنْ يُسَاءَ بِهِ الظَّنُّ فِي امْتِنَاعِهِ وَيُطْلَقَ اللِّسَانُ فِيهِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَكَبُّرٍ أَوْ سُوءِ خُلُقٍ أَوِ اسْتِحْقَارِ أَخٍ مُسْلِمٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفُ يَقُولُ: أَنَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِي فِي كُلِّ عَمَلٍ نِيَّةٌ حَتَّى فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ يَلْتَحِقُ بِوُجُوهِ الْخَيْرَاتِ بِالنِّيَّةِ. وَأَمَّا الْحُضُورُ: فَأَدَبُهُ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَلَا يَتَصَدَّرَ فَيَأْخُذَ أَحْسَنَ الْأَمَاكِنِ بَلْ يَتَوَاضَعَ وَلَا يُطَوِّلَ الِانْتِظَارَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعَجِّلَ بِحَيْثُ يُفَاجِئُهُمْ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِعْدَادِ، وَلَا يُضَيِّقَ الْمَكَانَ عَلَى الْحَاضِرِينَ بِالزَّحْمَةِ، بَلْ إِنْ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمَكَانِ بِمَوْضِعٍ لَا يُخَالِفُهُ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَتَّبَ فِي نَفْسِهِ مَوْضِعَ كُلِّ وَاحِدٍ فَمُخَالَفَتُهُ تُشَوِّشُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجْلِسَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ الْحُجْرَةِ الَّذِي لِلنِّسَاءِ وَسِتْرِهِمْ، وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرَهِ، وَيَخُصَّ بِالتَّحِيَّةِ وَالسُّؤَالِ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ إِذَا جَلَسَ، وَإِذَا دَخَلَ ضَيْفٌ لِلْمَبِيتِ فَلْيُعَرِّفْهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ عِنْدَ دُخُولِهِ الْقِبْلَةَ وَبَيْتَ الْمَاءِ وَمَوْضِعَ الْوُضُوءِ، وَأَنْ يَغْسِلَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ يَدَهُ قَبْلَ الْقَوْمِ وَقَبْلَ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى كَرَمِهِ، وَيَتَأَخَّرَ فِي آخِرِ الطَّعَامِ عَنْهُمْ، وَعَلَى الضَّيْفِ إِذَا دَخَلَ فَرَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ إِنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَنْكَرَ بِلِسَانِهِ وَانْصَرَفَ. وَأَمَّا إِحْضَارُ الطَّعَامِ فَلَهُ آدَابٌ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ: تَعْجِيلُ الطَّعَامِ فَذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَمَهْمَا حَضَرَ الْأَكْثَرُونَ وَغَابَ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ وَتَأَخَّرُوا عَنِ الْوَقْتِ الْمَوْعُودِ فَحَقُّ الْحَاضِرِينَ فِي التَّعْجِيلِ أَوْلَى مِنْ حَقِّ أُولَئِكَ فِي التَّأْخِيرِ. وَأَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [الذَّارِيَاتِ: ٢٤] أَنَّهُمْ أُكْرِمُوا بِتَعْجِيلِ الطَّعَامِ إِلَيْهِمْ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هُودٍ: ٦٩] وَقَوْلُهُ: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [الذَّارِيَاتِ: ٢٦] وَالرَّوَغَانُ: الذَّهَابُ بِسُرْعَةٍ وَقِيلَ فِي خُفْيَةٍ. قَالَ «حَاتِمٌ الْأَصَمُّ»: (الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا

1 / 98