184

موارد الظمآن لدروس الزمان

موارد الظمآن لدروس الزمان

شماره نسخه

الثلاثون

سال انتشار

١٤٢٤ هـ

ژانرها

حَقًا وأن يَرْضَى بِهِ لِربّهِ فالعَارِف لا يَرضَى بشيءٍ مِن عَمَلِه لِرَبِّه وَلا يَرْضَى نَفْسَهُ لِلَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَيَسْتَحِي مِن مُقَابَلَةِ اللهِ بِعَمَلِهِ. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُصَلِّي فِي اليوم واللَّيْلَةِ أَرْبَعْمائَةِ رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَقْبِضُ عَلى لِحَيَتِهِ وَيَهُزُهَا وَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: يَا مَأْوَى كُلِّ سُوءٍ وهل رَضِيتُكَ لِلَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: آفَةُ الْعَبْدِ رِضَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَنْ نَظَرَ إِلى نَفْسِهِ بَاسْتِحْسَانِ شيْءٍ مِنْها فَقَدْ أَهْلَكَهَا وَمَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ على دَوَامِ الأَوْقَاتِ فهو مَغْرُورٌ. انتهى.
وَخِتَامًا فَعَلَى الْمُسْلِم الْمخلصِ أن يَحْذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ يَمْتَزِجَ بإخلاصِ عَمَلهِ شَيْءٌ آخرُ مِن رياءٍ أَوْ غَيرهِ كَمَنْ يَصُومُ لِيَنْتَفِعَ بالْحُمِيةِ الْحَاصِلةِ بالصَّوْمِ وَمَعَ قَصدِ التَّقربِ، أو يُعْتقَ رَقيقَهُ ليَتَخَلَّصَ مِنْ مَؤنَتِهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ، أَوْ يَحُجَّ لِيَصِحَّ بَدَنُه بِحَرَكَةِ السَّفَرِ أَوْ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ شَرٍّ يَعْرُضُ لَهُ بِبَلَدِهِ، أَوْ يَغْزُو لِيَتَمَرَّنُ عَلَى الْحَرْبِ وَيُمَارِسَها، أَوْ يَتَعَلم العِلْمَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ طَلَبَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمال، أو لِيَكونَ عَزيزًا بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَعَشِرَتِهِ، أَوْ لِيَكُونَ مَالُهُ مَحْرُوسًا بِعِزِّ العِلْمِ عَن الأطمَاع، أَوْ عَادَ مَرِيضًا لِيُعَادَ إنْ مَرِضَ، أَوْ شَيَّعَ جَنَازةً لِيُشَيَّعَ جَنَائِزَ أَهْلِهِ، أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِيَعْرِفَ بَالْخَيرِ وَيُذْكَرَ بِهِ وَيُنْظَرَ إِلَيْهِ بَعَيْنِ الصَّلاحِ والوَقَارِ، أَوْ تَصدقَ لِيُثْنَى عَلَيْهِ وَيقَالَ: أَنَّهُ كَرِيمٌ يَبْذُلُ الْمَالَ، أو قَامَ بِمَشَارِيعَ خَيْرِيَّةٍ لِيُثْنَى عَلَيْهِ فَكلُ هَذِهِ وَنَحْوَهَا مِن مُكَدِّرَاتِ صَفْوِ الإخلاصِ نَسْأَل اللهُ العصمةَ لَنَا ولإخْوَانِنَا مِنْهَا.
وَكَمْ مِنْ أَعْمَالِ يَتْعَبُ الشخصُ فِيها وَيَظُنُّ أَنَّهَا خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ، ويكونُ فِيها مَغْرُورًا لأنه لا يَرَى وَجْهَ الآفةِ فِيها، فَدقائقُ الآفاتِ قَلَّمَا تَسْلَمُ الأعمالُ منها.
قَالَ بعضُ السلفِ: لا يَزَالُ العَبْدُ بِخَيْرٍ ما عَلِمَ مَا الذي يُفْسِدُ عليهِ

1 / 183