موارد الظمآن لدروس الزمان
موارد الظمآن لدروس الزمان
شماره نسخه
الثلاثون
سال انتشار
١٤٢٤ هـ
ژانرها
موارد الظمآن لدروس الزمان
خطب وحكم وأحكام وقواعد ومواعظ وآداب وأخلاق حسان
تَأْلِيفُ
الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض - سابقًا
الطبعة: الثلاثون، ١٤٢٤ هـ
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى تَأْلِيفُ الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض سابقًا الجزء الأول بالله يا ناظرًا فيه ومنتفعًا ... مِنْهُ سَلِ اللهَ تَوْفِيقًا لِجَامِعِهِ وَقُلْ أنلْهُ إِلَهَ الْعَرْشِ مَغْفِرَةً ... وَاقْبَلْ دُعَاه وَجَنِّبْ عن مَوَانِعِهِ وَخُصَّ نَفْسَكَ مِنْ خَيْرٍ دَعَوْتَ بِهِ ... ومَن يَقُومُ بِمَا يَكْفِي لِطَابِعِهِ وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا مَا بَدَا قَمَرٌ ... أَو كَوْكَبٌ مُسْتَنِيرٌ مِن مَطَالِعهِ آخر: وما اكْتَسبَ المَعَالِيَ طَالِبُوْهَا ... بِمِثْلِ أَداءِ مَا افْتَرَضَ الجَلِيْلُ
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى تَأْلِيفُ الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض سابقًا الجزء الأول بالله يا ناظرًا فيه ومنتفعًا ... مِنْهُ سَلِ اللهَ تَوْفِيقًا لِجَامِعِهِ وَقُلْ أنلْهُ إِلَهَ الْعَرْشِ مَغْفِرَةً ... وَاقْبَلْ دُعَاه وَجَنِّبْ عن مَوَانِعِهِ وَخُصَّ نَفْسَكَ مِنْ خَيْرٍ دَعَوْتَ بِهِ ... ومَن يَقُومُ بِمَا يَكْفِي لِطَابِعِهِ وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا مَا بَدَا قَمَرٌ ... أَو كَوْكَبٌ مُسْتَنِيرٌ مِن مَطَالِعهِ آخر: وما اكْتَسبَ المَعَالِيَ طَالِبُوْهَا ... بِمِثْلِ أَداءِ مَا افْتَرَضَ الجَلِيْلُ
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد عَظِيمَة النفعِ
قال بعضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى سَبِيْلِ النُصْحِ والإِرْشَادِ: يَا هَذَا إنَّمَا خُلِقَتِ الدُّنْيَا لِتَجُوزَهَا لا لِتَحُوزَهَا، ولِتَعْبُرَها لا لِتَعْمُرها فاقْتُلْ هَوَاكَ الْمَائِلَ إِلَيْهَا ولا تُعَوّلْ عَلَيهَا. واعْلَمْ أَنَّ الدُنْيَا مَزْرعةُ النَّوائِبِ ومَشْرَعَةُ المَصَائِبِ ومُفَرّقَةُ المَجَامِعِ ومُجْرِيَةُ المَدَامِعْ.
(١)
اللِّيْلُ والنَّهار يَعْمَلان فِيْكَ فاعْمَلْ فيهما أَعْمَالًا صَالِحَةً تَرْبَحَ وتَحْمَدِ العَاقِبةَ الحَمَيْدَة إن شاء الله تعالى.
فائدة: حفْظُ الأَوْقَاتِ تُفيْد الأَعْمَارَ وَتُكْثِرُ الآثارْ والله الموفق.
وَالوَقْتَ أَنْفَسُ ما عُنِيْتَ بِحْفظِهِ ... وَأرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَليْكَ يضِيْعُ
آخر: ... والعُمر أنفسُ مَا لإنسان مُنْفِقُهُ ... فاجْعَلْهُ في طَاعَةِ الرحمنِ مَصْرُوْفًا
(٢)
المَلائِكةُ يَكْتُبَان مَا تَلفَّظُ به، فَاحْرَصْ عَلَى أنْ لا تَنْطِقَ إلاَّ بِمَا يَسُرُّكَ يَوم القِيَامِة مِن ذِكر الله وما وَلاه.
(٣)
اعْلَم أنَّ قِصَرَ الأمَلِ عليه مَدِارٌ عظيم وحِصْنُ قِصَرِ الأمَلِ ذِكْرُ الموِتِ وحِصْنُ حِصْنِهِ ذِكْرُ فِجْأَةِ الموتِ وَأخْذُ الإِنسان على غِرَّةٍ وغَفْلةٍ، وهُوَ في غِرُرٍ وفُتُور عن العمل للآخرة، فأحفظ هذه الفوائد وأعمل بها تُفْلح وتَربَحْ إنْ شاءَ الله تعالى.
1 / 1
وَقَالَ بَعْضهم: الواجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ المُبَادَرَةُ إلَى الأَعْمَالَ الصَّالِحَةِ عَلَى أَيَّ حَالٍ كَانْ وَأنْ يَنْتَهِزَ فُرصْةَ الإمْكَانِ قَبْلَ مُفَاجأَةِ هَادِمِ اللَّذَاتِ وأَنْ يَتَوكِّلَ عَلَى اللهِ وَيَطْلُبَ مِنْهُ العَوْنَ في تَيْسِيْرهَا إلَيْهِ وَصَرْفِ المَوانِعِ الحَائِلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
آخر: ... مُنَايَ مِن الدُّنْيَا عُلُومٌ أبثُهَا ... وأنْشُرُهَا في كُلِ بَادٍ وحَاضِرِ
دُعَاءً إِلَى القُرْآنِ والسُنَّةِ الَّتِي ... تَنَاسَى رِجُالٌ ذِكْرَهَا في المَحاضِرِ
وَقَدْ أبْدِلُوهَا الجَرَائِد تَارةً ... وتِلْفَازِهِمْ رأَسُ الشُرور المنَاكِرِ
ومِذْيَاعهِمْ أيْضًِا فلا تَنْس شَرَّهُ ... فكَمْ ضَاعَ مِن وَقْتٍ بِهَا بالخَسَائِرِ
آخر: ... كُلُ امْرئٍ فِيمَا يَدِينُ يُدَانُ ... سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَخْلُ مِنْ عِلْمِهِ مَكَانُ
يَا عَامِرَ الدُّنْيَا لِيَسْكُنَها وَمَا ... هِيَ باللَّتي يَبْقَى بِهَا سُكَّانُ
تَفْنَى وتَبْقَى الأَرضُ بَعْدَكِ مِثْلَمَا ... يَبْقَى المَكَانُ وتَرْحَلْ الرُّكْبَانُ
أَأُسَرُّ بالدنيا بكُلِّ زِيَادَةٍ ... وزِيَادَتِيْ فِيهَا هِيَ النُقْصَانٌ
آخر: ... كَأَنَّكَ لم تَسْمعْ بأخْبَار مَن مَضَى ... ولمْ تَرَ في البَاقِينَ مَا يَصْنَعُ الدَّهرُ
فِإِنْ كُنِتَ لا تَدري فَتِلْكَ دِيَارُهُم ... عَليها مَجَالُ الرِّيحِ بَعَدكَ والقَطْرُ
وَهَلْ أَبْصَرَتْ عَينَاكَ حيًّا بِمنزِلٍ ... عَلَى الأَرضِ إِلاَّ بالفَنَاءِ لَهُ قَبْرُ
وَأَهْلُ الثَّرَى نَحْوَ المَقَابِرِ شُرّعٌ ... وَلَيْسَ لَهْمُ إِلاَّ إِلَى رَبَّهمْ نَشْرُ
على ذَاكَ مَرُّوا أجْمَعُونَ وهكذا ... يَمُرُّونَ حتّى يَسْتَردُّهُم الحَشْرُ
فَلاَ تَحْسَبنَّ الوَفْرَ مَالًا جَمْعَتَهُ ... ولكنَّ مَا قَدَّمْتَ مِن صَالِحِ وَفْرُ
وَلَيْسَ الذِي يَبْقَى الذِي أَنْتَ جَامعٌ ... ولكنَّ مَا أَوْلَيْتَ مِنْهُ هُوَ الذُّخْرُ
قَضَى جَامِعُوا الأَمْوَالِ لَمْ يَتَزَوَّدُوا ... سِوَى الفَقْرِ يَا بُؤْسًا لِمَنْ زَادُهُ الفَقْرُ
بَلَى سَوفَ تَصْحُو حِيْنَ يَنْكَشِفُ الغَطَا ... وَتَذْكرُ قَوْلي حِيْنَ لا يَنْفَعُ الذِّكْرُ
وَمَا بَيْنَ مِيُلادِ الفَتَى وَوَفَاتِهِ ... إِذَا نَصَحَ الأَقْوَامُ أَنْفسَهُمْ عُمْرُ
لأَنَّ الذِي يَأْتِي كَمِثْلِ الذِي مَضَى ... وما هُو إِلاَّ وَقْتُكَ الضَّيِّقُ النَّزْرُ
فصَبْرًا على الأَوقاتِ حَتَّى تَحُوْزَهَا ... فَعَمَّا قَلِيْلٍ بَعْدَهَا يَنْفَعُ الصَّبْرُ
تَقْضِي المآربَ والسَّاعَاتُ سَاعِيَةٌ ... كأنَّهُنَّ صِعَابٌ تَحتَنَا ذُلُلُ
آخر: ... طالَ التَّبَسُط مِنَّا في حَوَائِجنَا ... وَإنَّمَا نَحْنُ فَوق الأرض أَضْيَافُ
1 / 2
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ أَحَدُ العُلَماءِ رَحِمَهُ الله تَعالى: عَلَيْكَ يَا أَخِي بمُحَارَبَةِ الشَّيْطَانِ، وقَهْرِهِ، وذَلِكَ لِخَصْلَتَيْن أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَدُوٌ مُظلٌ مُبين، لا مَطْمَعَ فِيهِ بِمُصَالحَة وَاتَّقَاءِ شَرّه أَبَدًا، لأِنَّه لاَ يُرْضِيْهِ وَيُقْنِعُهُ إِلاَّ هَلاَكُكَ أَصْلًا، فَلا وَجْهَ إِذًا للأَمْنِ مِنْ هَذَا الْعَدُوْ وَالْغَفْلَةِ عَنْهِ، قَالَ اللهُ جَلَّ وعَلاَ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾، وَالخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى عَدَاوَاتِكَ، ومُنْتَصِبٌ لِمُحَارِبَتِكَ، في اللَّيْلِ والنَّهَارِ يَرْمِيْكَ بسِهَامِهِ، وأَنْتَ غَافِلٌ عَنْهُ، ثُمَّ هُوَ لَهُ مَعَ جَمِيْعِ المؤمِنِيْنَ عَدَاوَةٌ عَامَةٌ، وَمَعَ المُجْتَهِدِ في العِبَادَةِ وَالعِلْمِ عَدَاوَةٌ خَاصَةٌ، ومَعَهُ عَلَيْكَ أَعْوَانُ: نَفْسُكَ الأمَّارَةِ بالسَّوْء، والهَوَى، والدُّنْيَا، وَهُوَ فارِغٌ وَأَنْتَ مَشْغُول، وَهُوَ يَرَاكَ وَأَنْتَ لاَ تَرَاه، وأَنْتَ تَنْسَاهُ وَهَوَ لاَ يَنْسَاكَ، فَإِذًا لاَ بُدَّ مِن مُحَارَبَتِهِ وَقَهْرِهِ، وَإِلاَّ فَلا تَأَمَنْ الفَسَادَ وَالهَلاكَ وَالدَّمَار، وَمُحَارَبَتُهُ بالاسْتِعَاذَةِ باللهِ والإِكثارِ من ذِكْرِهِ.
شعرًا: ... إِذَا شئتَ أَنْ تَلْقَى عَدُوَّكَ رَاغِمًا ... فَتُحْرِقَهُ حُزُنًا وَتَقْتُلَهُ غَمًّا
فَعَلَيْكَ بالإِخْلاصِ وَالزُّهْدِ والتُّقَى ... فَمَنْ فَازَ فِيهَا مَاتَ حُسَّادُهُ هَمًّا
آخر: ... وَلِمَ أَرَى كَالإِخْلاصِ للهِ وَحَدَهُ ... وَلا مِثل تقوْاهُ وَإكْثَارِ ذِكْرِهِ
فَصْلٌ
اعْلَمْ وَفَّقَنا اللهُ وَإيَّاكَ وَجَمِيْعَ المُسْلِميْنَ أنَّهُ لَم يُؤْثَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وتَابِعْيِهْم بإِحْسَانٍ تَعْظِيْمُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالمُوَالِيْنَ لأَهْلِ البِدَعِ وَالمُنَادِيْنَ بِمُوَالاتِهمْ، لأَنّ أَهْلِ البِدَعِ مَرْضَى قُلُوب، وَيُخْشَى عَلَىَ مَنْ خَالطَهُمْ أَو اتَّصَلَ بِهِمْ أَنْ يَصِلَ إِلِيْهِ مِنْ مَا بِهِِمْ مِنَ هَذَا الدَّاءِ العُضَال، لأِنّ المَرِيْضَ يُعْدِي الصَّحَيْحَ وَلاَ عَكسْ، فَالْحَذَرَ الحذرَ مِنْ جَمِيعِ أهْلِ
1 / 3
البدَعِ، وَمِنْ أهْلِ البِدَعِ الذَيْنَ يَجِبُ البُعْدُ عَنْهُمْ وَهِجَرانُهُمْ: الجَهْمِيَّةُ، والرَّافضَةُ، وَالْمُْعَتِزلَةُ، والْمَاتُرِيْدِيَّةُ، وَالخَوَارُِج، والصُّوْفِيَّةُ، والأَشَاعَرة، وَمَنْ عَلَىَ طَريْقَتِهمْ مِنَ الطَّوَائِف المُنْحَرِفَةِ عن طريقة السَّلَفْ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أنْ يَحْذّرَهُمْ وَيُحَذِرَّ عَنْهُمَ وصلى الله على محمد وآله وسلم.
فائدة: وَقْتُ الإِنسان هُو عُمره وَمَادَة حَيَاتِه الأبدِيَّة في النَّعِيم المقيم وَمَادةُ المعِيْشَةِ الضَّنْكِ في العَذَابِ الأَلِيْم وَهو يَمَرُ مَرَّ السِّحَابْ.
شعرًا: ... إني أَبُثُّكَ مِنْ حَدِيثِي ... إِنَّ الحَدِيثَ لَهُ شُجُونُ
غَيَّرْتَ مَرْقَدَ نَوْمِي ... لَيلًا فَفَارَقَنِي السُّكُونُ
قُلْ لِي فَأَوَّلَ لَيْلَةٍ ... في القَبْرِ كَيْفَ تَرَى يَكُونُ
آخر: ... يَا مَنْ سِينَا عَنْ بَنِيهْ ... جَاءَ اليَقِينُ فَوَجَّهُوهْ
مَثِّلْ لِنَفْسِكَ قَوْلَهُمْ ... جَاءَ اليَقِينُ فَوَجَّهُوهْ
وَتَحَلَّلُوا مِنْ ظُلْمِهِ ... قِبْلَ المَمَاتِ وَحَلِّلُوهُ
آخر: ... أَعْوامُ لَهْوٍ كَانَ يُحْزِنُ ذِكْرُهُا ... قَلْبُ اللَّبِيبُ لِفَقْدِهَا لِلطَّاعَةِ
لَوْ أَنَّهَا مُلِئَتْ بِذِكْرِ إِلهِنَا ... وَتِلاَوَةِ القُرْآنِ زَالَتْ نَدَامَتِي
آخر: ... بِطَاعَتِكَ الإله تَنَالُ عِزًا ... وَتَسْعَدُ يَا فَتَى يَوْمَ الجَزَاءِ
آخر: ... عَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ في كُلِّ لَحْظَةٍ ... فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَذْكُرُ
لَوْ يَعْلَمُ العَبْدُ مَا فِي الذِّكْرِ مِنْ شَرَفٍ ... أَمْضَى الحَيَاةَ بِتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ
فائدة: العِلْمُ بِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤهُ وَمَا جَاءَ عَن رَسُولِهِ ﷺ خَيْرُ مِيْرَاثٍ والتَّوفيقُ مِن اللهِ خَيْرُ قاَئِدْ، والاجْتِهَادُ في طاعَةِ اللهِ خَيْرُ بِضَاعَة، ولا مَالَ أَحْسَنُ مِن عَمِل الرَّجُلِ في يَدِهُ، ولا مُصِيْبَةَ أَعْظم مِن الكُفْرِ باللهِ ولا عَوِينَ أَوْثَقَ من الاعْتِمَادِ على اللهِ جَلَّ جَلاَلُهْ، ثم مُشَاوَرَةِ
1 / 4
أَصْحَابِ الرَّأْي السَّدِيد مِن المُؤْمِنِيْن، وَلا أَوْحَشَ مِن الكِبْرِ، والكُفْرِ والعُجْبِ، والنَّفَاق، والإِلْحَادْ.
وقال يحيى بنُ معاذ: عَجِبْتُ مِن ثلاثة: رجُل يَرائي بَعِمْلِهَ مخُلوقًا مِثْلَه وَيتركُ أنْ يَعْمَلَهُ للهِ، وَرَجُل يَبْخَلُ بِمالهَ وَربهُ يستقرْضُه مِنه فلا يُقْرِضُهُ مِنه شَيْئًا، وَرَجُل يَرغَبُ في صُحْبةِ المخُلوقَين وَمَوَّدتِهَم والله يَدْعِوهُ إِلَى صُحْبَتِهِ وَمَودَتهِ.
ملاحظة: لا يسمح لأي إنسان أن يَخْتَصِرَهُ أوْ يَتَعَّرضَ له بما يُسَمُّونَه تَحقِيقًا لأِنَّ الاختصار سَبَبٌ لِتعطيِلٍ الأصْلِ والتحقيق أرَى أَنَّهُ اِتِهَامٌ لِلْمُؤُلِف، ولا يُطْبع إلا وقفًا لله تعالى على مَن يَنْتَفِعُ بِهِ مِن المسلمين.
فائدة عَظِيْمَةُ النَّفَعْ لِمَْن وَفَّقَهُ الله
ما أَنْعَم الله على عَبْدٍ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أنْ عَرَّفَه لا إِلهَ إِلا الله، وفهَّمَهُ مَعْنَاهَا، وَوَفَّقَهُ لِلَعَمِلِ بِمُقْتَضَاهَا، والدَّعْوَةِ إِليْهَا.
شعرًا: ... عَلَيكَ مِنَ الأُمورِ بِما يُؤَدِي ... إِلى سُنَنِ السَلامَةِ وَالخَلاصِ
وَما تَرْجُو النَجاةَ بِهِ وَشيكًا ... وَفَوزًا يَومَ يُؤخَذُ بِالنَواصِي
آخر:
عَجِبْتُ لِمَنْ يَعْمُرُ قُصُورًا فَسِيحَةً ... لِيَسْكُنَهَا وَقْتًا قَلِيلًا وَيَرْحَلُ
وَيَتْرُكَ قَبْرًا فِيهِ يَسْكُنُ وُحْدَهُ ... زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ يَأْتِي يُهَرْوِلُ
إِلِى مَوْقِفٍ فِيهِ يِشِيبُ وَلِيدُهُ ... وَتُسْقِطُ ذَاتَ الحَمْلِ فِيهِ وَتَذْهَلُ
وَمِنْ بَعْدِهِ الأَهْوَالُ لَوْ قَدْ رَأَيْتَهَا ... لَطَلَّقْتَ دُنْبًا بِالثَلاَثِ مُعَجِّلُ
فَلِلِهِ دُرُّ الزَّاهِدِينَ بِجَيْفَةٍ ... عَلَيْهَا أُنَاسٌ جَاهِلُونَ وَغُفَّلُ
آخر:
آخِرُ يُسَّرُ بِصَفْوِ عَيْشَتِهِ الجَهُولُ ... وَتُعْجِبُهُ الإقَامَةُ وَالحُلُولُ
وَدُونَ مُقَامُه حَادٍ حَثِيثٌ ... عَنِيفُ السَّوْقِ وَالمَوْتُ السَّبِيلُ
1 / 5
سَبِيل مَا تَوَجَّهَ فِيهِ سَفُرٌ ... فَكَانَ لهُمْ إَلَى الدُّنْيَا قُفُولُ
طَرِيقٌ يَسْتَوِي لِلْخَلْقِ فِيهِ ... مَسَالِكَهم وَيَخْتَلِفُ المُقِيلُ
يُطَافُ عَلَيهِمُ بكُؤوس لَهْوِ ... وَمَزْجُ كُؤُوسِهَا الدَّاءُ الدَّخِيلُ
وَتَصْقَلُ وَجْهَهَا لَهُمُ خِدَاعًا ... وَتَحْتَ صِقَالِهَا السَّيفُ الصَّقِيلُ
آخر: ... أَكَبَّ بَنُوا الدُّنْيَا عَلَيهَا وَإِنَّهُمْ ... لَتَنْهَاهُمْ التَّقْوىَ عَنْهَا لَو انْتَهَوْا
أَيُّهَا النَّاظِرُ بَعْدِي في كِتَابِي ... مُسْتَفِيدًا مِنْهُ مَرْغُوبَ الطُّلاَبِ
قَاطِفًا مِنْهُ ثِمَارًا نُسِّقَتْ ... بِاجْتِهَادِي بِمَشِيبِي وَالشَّبَابِ
اهْدِ لِي مِنْكَ دُعَاءً صًالحًِا ... وَتَحَرَّى فِيهِ أَوْقَاتَ الإِجَابِ
آخر: (تَضَرُّعٌ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلاَ)
قَرُبَ الرَّحِيلُ إِلى دِيَار الآخرة ... فَاجْعَلْ بِفَضْلِكِ خَيْرُ عَمْرِي آخِرَهْ
وَارْحَمْ مَقِيلِي في القُبُور وَوِحْدَتِي ... وَارْحَمْ عِظَامِي حِينَ تَبْقَى نَاخِرَةْ
فَأَنَا الْمُسَيَكينُ الذي أَيَامُهُ ... وَلَّتْ بِأَوْزَارٍ غَدَتْ مُتَوَاتِرْةْ
فَلَئِنْ طُرِدْتُ فَمَنْ يَكُنْ لِي رَاحِمًا ... وَبِحَارُ جُودِكَ يَا إَلهِي زَاخِرَةْ
يَا مَالِكِي يِا خِالِقِي يِا رِازِقِي ... يِا رَاحِمِي الشيخ الكَبِيرِ وَنِاصِرُهْ
مَا لِي سِوَى قَصْدِي لِبَابِكَ سَيِّدِي ... فَاجْعَلْ بِفَضْلِكَ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهْ
آخر: ... دَعْ عَنْكَ ذِكْرَ فُلانَةً وَفُلانِ ... وَاتْرُكْ لِمَا يُلْهِي عَنِ الرَّحْمَنِ
وَاعْلَمْ بَأَنَّ المَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً ... وَجِمِيعَ مَا فَوْقَ البَسِيطَةِ فَانِ
فَإِلى مَتَى تَلْهُو وَقَلْبُكَ غَافِلٌ ... عَنِ ذِكْرِ يَوْمِ الحَشْرِ وَالِميزَانِ
أَتَرَاكَ لَمْ تَكُ سَامِعًا مَا قَدْ أَتَى ... في النَّصِ في الآيَاتِ بِالقُرْآنِ
فَانْظُرْ بِعَيْنِ الاعْتِبَارِ وَلا تَكُنْ ... ذَا غَفْلَةٍ عَنْ طَاعَةِ الدَّيَانِ
(فَصْلٌ)
(١) (فوائدُ عظيمةُ النفعَ جِدًّا مما قاله العلماء: إعْلَمْ أنَّ قِصَرَ الأمل عليه مَدَارٌ
1 / 6
عظيم، وَحِصْنُ قِصَرِ الأمَلِ ذكْرُ الموت، وحِصْنُ حصْنِهِ ذكر فجأة الموت وَأخْذُ الإَنْسَانِ على غِرَّةٍ وغِفْلُةٍ وفي غُرور وفُتُورِ عن العمل للآخِرةْ) .
(٢) (اللَّيْلُ والنَّهارُ يَعْمَلان فيْكَ، فاعْمَلْ فيهما أعْمَالًا صَالِحَةً تَرْبَح وَتَحْمِدَ العَاقِبةَ الحَمِيْدَة إنْ شاءَ الله تَعالى) . والله الموفق.
وقال عيسى بن مريم ﵇: عَجبْتُ لِثلاثةٍ: لِغَافل ولَيْسَ بِمَغْفُولِ عَنْهْ، ومُؤَمِّلٍ دُنْيَاهُ والموتُ يَطلُبه، وبَانٍ قَصْرًا والقَبْرُ مَسْكَنُهُ.
(٣) (الملائكةُ يَكْتُبَان مَا تلَفَّظُ به، فاحْرَصْ عَلَى أن لا تَنْطِقَ إلا بِمَا يَسُرَّكَ يَوْمَ القِيَامَةْ كالْباقِيَاتِ الصَّالِحاتِ وَمَا وَالاهَا) .
شِعرًْا: ... وَإِنَّ أَحْسَنَ بَيْتٍ قَالَهُ رَجُلٌ ... بَيْتٌ تَضَمَّنَ تَوحِيدَ الذِّي خَلَقَ
آخر:
إِذَا المرءُ لَمْ يَعْصِي الإلَهَ بِفِعْلِهِ ... وَلا قَوْلِهِ فَهُوَ الأَدِيبُ المُهَذَّب
آخر:
تَمْضِي حَيَاتُكَ ثُمَّ تَبْقَى صَفْحَةٌ ... كَتَبْتَ يَدَاكَ سُطُورُهَا قَبْلَ الرَّدَى
مَهْمَا مَكَثْتَ فَأَنْتَ ضَيْفٍ رَاحِلٌ ... عَنْ ذِي الدِّيَار اليومَ حَتْمًا أَوْ غَدَا
فَاتْرُكْ إِذًا أَثَرًا لِذِكْرِكَ صَالحًا ... إِنْ كُنْتَ تَبْغِي أَنْ يَدُومَ مُخَلَّدا
(وَاسْأَلْ بِمَا سَأَلَ الخَلِيلُ إَلَهَهُ ... فِي سُورَةِ الشُّعَرَاء سُؤَالًا مُسَدَّدًا)
(فصل)
ومَن أرادَ طِبَاعَتِهِ ابْتغَاءَ وَجْه الله تَعَالى لا يُريْدُ به عرضًا مِن الدُّنيا، فقد أُذِنَ لَه في ذلك وَجَزَى الله خيرًا مَن طَبَعَهُ وَقْفًا لِلَّهِ، أو أعانَ على طبعِهِ، أو تَسَبَّبَ لِطَبْعِهِ وتوزيعه على إخوانه المسلمين. فقد وَرَدَ عنه ﷺ أنه قال: «إِنَّ الله يُدْخِلُ في السَّهْمِ الوَاحِدِ ثلاثة نَفَرٍ الجَنَّة: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخيْرَ، والرَّامِيْ بِهِ، ومُنْبِلَه» الحديث. رواه أبو دود.
وورد عنه ﷺ أنه قال: «إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له» . الحديث رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1 / 7
وَعَنْ زَيْدْ بن خَالد ﵁ أنّ رسُول الله ﷺ قال: «مَنْ جَهَزَ غَازيًا في سَبيلِ الله فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلف غازيًا في أهْله بِخَير فَقَدْ غزا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ مِمَّا يلحَقُ المؤْمِن مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ ونَشَرهُ، وَوَلدًا صَالحًا ترَكَهُ، أو مُصْحَفًا ورَّثهُ، أو مَسْجِدًا بَنَاهُ، أوْ بَيْتًا لاِبْن سَبِيْل بَنَاه، أوْ نَهْرًا أجْرَاهُ، أوْ صَدَقَةَ أخْرِجَهَا مِنْ مَالِهِ في صِحَّتِهِ وحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِن بَعْدِ مَوْتِهِ» . رواه ابن ماجَة، وابن خُزَيْمَة.
وَرَوَاهُ البَزَّارُ مِن حَدِيث أنسٍ إِلا أَنَّهُ قال: «سَبْعٌ تَجْرِي للْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وهو في قبره: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أوْ كَرى نهَرًا، أَوْ حَفَرَ بئرًا، أوْ غَرسَ نَخْلًا، أوْ بَنَى مَسْجِدًا، أوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ له بَعْدَ مَوْتِهِ» .
فائدة عظيمة النَّفع
وَقَفَ قومَ على عَالِمَ فَقَالوا: لَهُ إِنَّا سَائِلِوُكَ أفَمُجِيبُنَا أَنْتَ قَالَ: سَلُوا وَلا تُكْثُرُوْا فإِنَّ النَّهار لَنْ يَرْجِعَ، والعُمَرَ لَنْ يَعُودْ، والطَّالِبَ حَثْيث في طَلَبَه، قالوا: فأوْصِنَا، قال: (تَزوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفرِكْمْ، فَإنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أبْلَغَ البُغْيَةَ، ثُمَّ قَالَ:الأيَّامُ صَحَائِفَ الأعمال فخلِدُهْا أحْسَنَ الأعمال، فإنَّ الفُرصَ تَمرُّ مَرَّ السَّحَاب والتَّوانِيَ مِن أخْلاق الكُسالى، ومنَ اسْتَوطْنَ مَرْكَبَ العَجْز عَثَرَ بِه، وتَزَوَّجَ التَّوانِيَ بالكَسل فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الخُسْران) أ. هـ.
شعرًا:
مَا مَضَى فَاتَ وَالمُؤَمَّلُ غَيْبٌ ... وَلَكَ السَّاعَةُ التي أَنْتَ فِيهَا
فائدة عظيمة النَّفع
أَشْرَفُ الأشْيَاءِ قَلْبُكَ وَوَقْتُكَ، فإذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وضيَّعْتَ وَقْتَكَ، فَمَاذَا بَقِيَ مَعَك، كلُ الفَوَائِدِ ذَهَبَتْ.
شعرًا:
وَذَكِّرْ بَالْتُقَى قَلْبًا غَفُولًا ... فَلَوْلا السَّقْيُ مَا نَمَتْ الزُّرُوعُ
1 / 8
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
خُطْبَةِ الْكِتَاب
الحمدُ للهِ الذي تَفَرَّدَ بالجلالِ والعظمةِ والعِزِ والكبرياءِ والجَمَالِ وأَشْكرُهُ شُكرَ عَبدٍ مُعْترفٍ بالتقصيرِ عن شكرِ بعض ما أوليهُ مِن الأنعام والأفضال وأَشهد أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيَكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
وَبَعْدُ فَبِمَا أَنِي رَأَيتُ كِتَابَ المَنَاهلِ الحسان مطلوبًا ومرغوبًا فيه ورأَيتُ أَني أَوّسِعُهُ وَأَزِيدُ فيهِ زِيادَاتٍ كَثِيْرَةً مَا بَيْنَ حِكَمٍ وأَحْكامٍ وَقَوَاعِدَ وَمَوَاعظَ وآدابٍ وأخلاقٍ وقصائِدَ زُهْدياتٍ لِيَكُونَ جَامِعًا نَافِعًا صَالِحًا ومُنَاسِبًا لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وِللْعَالِمِ والمُتَعَلِّمِ وِللأئَمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَبَذَلْتُ وُسْعِي وَاعْتَنَيْتُ جُهْدِي في تَهْذِيْبِهِ وَتَنْقِيْحِهِ وَتَرْتِيْبِهِ وَقَدْ أكْمَلتُ تَشْكِيْلَهُ لِيَعْذُبَ لِلسِّامِعِ والقَارِئِ وَيَسْهُلَ عَلَيهِ.
وأَسْأَلُ اللهَ الحَيَّ القَيُّومَ العَلِيَّ العَظِيمَ القَويَّ العَزِيزَ ذَا الجَلالِ والإِكرامِ الوَاحدَ الأحدَ الفردِ الصَّمدَ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوًا أَحَدْ الحَلَيمَ الكَريمَ القَريبَ المُجِيْبَ أَنْ يَجْعَلَ عَملَنَا خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ مُقَرِّبًا لَنَا وَلِمنْ قَرَأَهُ وَسَمِعَهُ لَدَيْهِ في جَناتِ النَعِيْمِ وأَنْ يَأَجرَ مَنْ طَبَعَهَ وَمَنْ أَعَانَ عَلى طَبْعِهِ وَمَنْ تَسَبَّبَ لِطَبْعِهِ مَدَى اللَّيَالي والأَيَّام وأَنْ يَغْفِرَ لَنَا وَلَهُ وَلِوَالِدِيْنَا وَوَالِدَيْهِ، وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِهِ إِنَهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين، وصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
عبد العزيز بن محمد السَّلمان
1 / 9
آخر:
لا تَبْكِ للدُّنْيَا وَلا أَهْلَهَا ... وَابْكِ لِيوْمٍ تَسْكُنِ الْحَافِرَةْ
وَابْكِ إِذَا صِيحَ بأَهْلِ الثَّرَى ... فاجْتَمَعُوا في سَاعَةِ السَّاهِرَةْ
وَيْلَكِ يَا دُنْيَا لَقَدْ قَصَّرَتْ ... آمَالُ مَنْ يَسْكُنُكِ الآخِرَةْ
آخر:
قِفْ دُونَ دِينِكَ فِي الْحَيَاةِ مُجَاهِدًا ... إِنَّ الْحَيَاة عَقِيدَةٌ وَجِهَادُ
آخر:
إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عُمْرِكَ فَاحْتَرِزْ ... عَلَيْهِ مِن الإِنْفَاقِ في غَيْرِ وَاجِبِ
وَسَمَّيْتُ هَذَا الكِتَابَ الجَامِعَ المُسَلِّي لِقَاِرِئِه وَسَامِعِهِ:
(مَوَارِدَ الظَّمْآنِ لِدُرِوْسِ الزَّمَان)
حِكَم وأَحْكَام وَقَواعِد وَمَوَاعِظ وآداب وأَخْلاق حِسان
أَسِيرِ خَلْفَ رِكَابِ النُّجْبِ ذَا عَرَجٍ
>
مُؤَمَّلًا جَبَرَ مَا لاقَيْتُ مِنْ عِوَجِ
فَإِنَّ لَحِقْتُ بِهِمْ مِنْ بَعدِ مَا سَبَقُوا
>
فَكَمْ لِرَب السَّمَا فِي النَّاسِ مِنْ فَرجِ
وَإِنْ ظَلَلْتُ بقَفْرِ الأرضِ مُنْقَطِعًا
>
فَمَا عَلَى عَرَجٍ فِي ذَاكَ مِنْ حَرَجِ
(هَذَا الكِتَاب وقف لله تَعَالى عَلَى طَلبة العلمْ) وَغَيرهمْ مِمَنْ يُريد الانتفَاع به واحْذر أُيُّهَا الأخ من بَيْعِهِ أوْ تَعْطِيْلِهِ.
بِاللهِ يَا قَارِئًا كُتُبِي وَسَامِعَهَا ... أَسْبِلْ عَلَيْهَا رِدَاءَ الْحُكْمَ والْكَرَمِ
وَاسْتُرْ بِلُطْفِكَ مَا تَلْقَاهُ مِنْ خَطَاءٍ ... أَوْ أَصْلِحَنْهُ تُثَبْ إِنْ كُنْتَ ذَا فَهَمِ
فَكَمْ جَوادٍ كَبَى والسَّبْقُ عَادَتُه ... وَكَمْ حُسَامٍ نَبَا أَوْ عَادَ ذُو ثُلْمٍ
وَكُلُّنَا يَا أَخِي خَطَآءُ ذُو زَلَلٍ ... والْعُذْر يَقْبَلُهُ ذُو الْفَضْلِ والشِّيَمِ
1 / 10
آخر:: ... مَن الذِّي مَا سَاءَ قَطْ ... وَمَنْ لَهُ الْحُسْنَى فَقَطْ
آخر:
أَخَا الْعِلْمِ لا تَعْجَلْ لَعِيْب مُصَنِّفٍ ... وَلَمْ تَتَيَقَّنْ زَلَّةً مِنْهُ تَعْرَفُ
فَكَمْ أَفْسَدَ الرَّاوِي كَلامًا بِنَقْلِهِ ... وَكَمْ حَرَّفَ الْمَنْقُول قَوْمٌ وَصَحَّفُوا
وَكَمْ نَاسِخٍ أَضْحَى لِمَعْنَى مُغَيَّرًا ... وَجَاءَ بِشَيْءٍ لَمْ يُرِدْهُ الْمُصَنَّفِ
آخر ... سَلِ الإِلَهَ إِذَا نَابَتُكَ نَائِبَةٌ ... فَهُوَ الذِيِ يُرْتَجَى مِنْ عِنْدِهِ الأَمَلُ
فَإِنْ مُنِحَتَ فَلا مَنٌ وَلا كَدَرٌ ... وَإِنْ َرَدِدْتَ فَلا ذِلٌ وَلا خَجَلُ
(فصل)
الأركان الستة وكيفية الإيمان بها:
الأولُ: الإيمانُ بالله ﷻ:
وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رَبَّ كُلّ شَيءٍ ومَلِيكهُ وأنَّه الخَالِق الرازق المُحْيِي المِمُيْت المُدَبِّر لِجمَيع الأُمور.
وأنه المستحق لأنْ يُفْرَدَ بالعُبُودِيَّةِ والذَّلِ والخُضُوعِ وجَمِيعِ أَنواع العِبادة، وأنه المتصفُ بصفاتِ الكمال المنزه عن كل عيبٍ ونقص، وهذا هو الأساس الأول الذي يَقُوم بِنَاء شَخْصِيَّةِ المُسْلِمِ عليه.
شعرًا: ... عَلَيْكَ بِتَوْحِيدِ الإِلِهِ فَإِنَّهُ ... هُوَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى بِهَا يُتَمَسَّكُ
آخر ... تَأَمَّلْ صحِيفَاتِ الْوُجُود فَإِنَّهَا ... مِنْ الْجَانِبِ السَّامِي إِلَيْكَ رَسَائِلُ
وَقَدْ خَطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا ... أَلا كُلَّ شَيْء مَا خَلا الله بَاطِلُ
٢- الركن الثاني: الإيمان بالملائكة:
الإيمان بالملائكة: هو التصديقُ الجازمُ بأَنَّ لله ملائكةً مَوْجُودِينَ مَخلوقِينَ مِن نُور، وأنهم كَما وصَفَهم الله عبادٌ مُكْرمُونَ يُسبحونَ الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرون وأنهم لا يَعْصُون الله ما أَمرهم وَيَفعلون مَا يُؤَمَرون، وأنَّهم قَائِمِونُ بِوَظائِفهم التِي أَمَرَهَمُ الله بالقيام بها.
1 / 11
ويِجبُ الإِيمانُ على التفصيَلِ بمن وَرَدَ تَعْيينهُ باسمهِ المخصوصِ كَجبرِيل ومكيائيل وإسرافيل ورضوان ومَالك، فَجبريلُ هو الموكلُ بأَداءِ الوَحْي وهو الروحُ الأمين، ومِيْكَائِيلُ المُوكلُ بالقَطْرِ، وإسرافيلُ الموكلُ بالصورِ، ومَلَكُ الموتِ الموكلُ بِقَبْضِ الأَرْوَاحِ.
ومنهم الموكلُ بأعمالِ العِباد، وهُمْ الكرَامُ الكَاتُبِون، ومنهم الموكلُ بِحفْظِ العَبْدَ مِن بينَ يديهِ ومن خَلْفهِ وهُمُ المعَقّبَاتُ، ومنهم الموكلُ بالجنةِ ونَعيْمِهَا وهُمْ رِضوانُ ومَن مَعَهُ.
ومنهم الموكلُ بالنَّارِ وعَذابها وهُمْ ماَلِكُ ومَن مَعَه، ومنهم الموكلُ بِفتنةِ القبر وَهم مُنْكَرٌ ونكِير، ومنهم حملةُ العرشِ.
ومنهم الموكلُ بالنُّطَف في الأرحامِ وكتابة ما يراد بها، ومنهم ملائكةٌ يَدخُلُون البيَتَ المعمورَ يَدخُلُه كُلَّ يومٍ سَبْعُونَ ألفًا ثم لا يَعُودُون، ومنهم ملائكةٌ سَيَّاحُونَ يَتّبعُون مَجالِسَ الذِكرِ وغير ذلك.
ويَجِبُ الإِيمانُ بِمن لم يَردْ تعْيِينهُ باسمهِ المخصوصِ أو تَعْيِينُ نوعِهِ المخصوصِ إجمالًا والله أعلم بعَدَدِهَم، قال تعالى: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ﴾ الآية.
فجعل الإيمانَ هو الإيمانُ بهِذِه الجملةِ، وسَمَّى مَن آمنَ بهذه الجملةِ مُؤْمِنين كما جَعَلَ الكافرين مَن كَفَر بهِذِه الجُملةِ بقوله: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ﴾ الآية.
وفي حديث جبريل: «أن تُؤْمِنَ باللهِ وملائكتهِ وكُتُبِه» الحديث فهذه الأصول اتَّفقَتْ عليها الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا الرسلُ وَأتباع الرسل.
1 / 12
إيمَانُنَا بالله ثُمَّ برُسلِهِ ... وَبِكُتبِهِ وَقِيَامَةِ الأبدَانِ
وَبِجُندِهِ وَهُم الملاَئِكَةُ الأولَى ... هُم رُسلُهُ لمصَالِحِ الأكوَانِ
هَذِي أصُولُ الدِّين حَقًّا لاَ أصُـ ... ـولُ الخَمسِ للقَاضِي هوَ الهَمَدَانِ
آخر ... وَبَعْدَ حَمْد الله أنّي أَشْهَدُ ... أنْ لا إله مُسْتَحِقًا يُعْبَدُ
إِلا إِلا لَهُ الْوَاحدُ الْفَردُ الصَّمَدْ ... مَن جَلَّ عَنْ زَوْجٍ وَكُفْء وَوَلَدْ
وَأَنَّ طَه خَيْرُ مَنْ قَدْ أَرْسِلا ... يَدْعُو إِلى التَّوْحِيد سَائِرَ المَلا
صَلَّى عَلَيْهِ الله ذو الجلالِ ... مَا دَامَتِ الأَيْام والليالي
وآله وصَحْبهِ الْكِرَامِ ... السَّادَةِ الأَئمَّةِ الأَعلامِ
(فصل):
٣- الركن الثالث: الإيمان بكتب الله:
الإيمان بكتب الله هو التصديق الجازم بأن لله كتبًا أنزلها على أنبيائه ورسله وهي من كرمه حقيقة، وأنها نور وهدى، وأن ما تضمنته حق وصدق ولا يعلمن عددها إلا الله.
وأنه يجب الإِيمان بها جملة إلا ما سمي منها وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وموسى فيجب الإيمان بها على التَّفْصِيل.
قال الله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ﴾، وقال: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾، وقال: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾، وقال: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ فيجب الإيمان بها على التفصيل والبقية إجمالًا.
ويجب مع الإيمان بالقرآن وأنه منزل من عند الله الإيمان بأن الله تكلم به حقيقة، كما تكلم بالكتب المنزلة على أنبيائه ورسله، وأنه المخصوص بمزية الحفظ من التغيير والتبديل والتحريف.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وقال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ .
1 / 13
ومنزلة القرآن من الكتب المتقدمة كما ذكر الله فيه قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، وقال: ﴿َمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . وقال: ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ .
قال المفسرون: مهيمنًا مؤتمنًا وشاهدًا على ما قبله من الكتب، ومصدقًا لها يعني: يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتغيير وتبديل، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو المردود.
وله يخضع كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب على عقبيه. وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ .
ويجب على كل أحد إِتباعُه ظاهرًا وباطنًا والتمسك به والقيام بحقه، قال الله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقال: ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ .
وأوصى النبي ﷺ بكتاب الله فقال: «خذوا بكتاب الله وتمسكوا به» . وفي حديث علي مرفوعًا: «إنها ستكون فتن» . قلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله» وذكر الحديث.
ومعنى التمسك به والقيام بحقه حفظه وتلاوته، والقيام به آناء الليل والنهار، وتدبر آياته وإحلال حلاله وتحريم حرامه، والانقياد لأوامره، والانزجار بزواجره، والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه، والعمل بمحكمه،
1 / 14
والإيمان بمتشابهه، والوقوف عند حدوده، والذب عنه لتحريف الغالين المبطلين والنصيحة له بكل معانيها والدعوة إليه على بصيرة.
وفي جواب أهل العلم والإيمان: السلف متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب، وهو أعلى منها درجة، فإنه قرر ما فيها من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانًا وتفصيلًا.
وبين الأدلة والبراهين على ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين، وقرر الشرائع الكلية التي بعثت بها الرسل، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين.
وبين عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها وبين ما حرف منها وبدل وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة، وبين أيضًا ما كتموه مما أمر الله بِبَيَانِهِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْتَ إليه القَوْم وأَيْقِظْنَا من سِنة الغَفْلَةِ والنَّوم وارزِقْنَا الاستعدادَ لِذَلِكَ اليَوْمِ الذي يَرْبَحُ فيه المُتَّقُونَ، اللَّهُمَّ وعامِلنَا بإحْسَانِكَ وَجُدْ علينا بِفَضْلِكَ وامْتِنانِكَ واجعلنا من عِبادِكَ الذينَ لا خَوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُون، اللَّهُمَّ ارحَمْ ذُلَّنَا بَيْنَ يَدَيْكَ واجعلْ رَغْبَتَنَا فِيما لَدَيْكَ، ولا تحرمنا بِذُنوبنا، ولا تَطْرُدْنَا بعُيوبنا، واغْفِرْ لَنِا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ منْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ.
مِنْ أَهْمَلَ الدِّيْنَ لا تَأْمَن عَقَارِبَهُ ... وَلَوْ تَسَمَّى بإِخْلاصِ بِنِيَّاتِ
لآِدَمَ جَاءَ إِبْلِيْسٌ وَقَال لَهُ ... إِنّيْ لَكُمْ نَاصِحٌ فاسْمَعْ مَقَالاتِي
فَاقْسَمَ الخُبْثُ في رَبِيْ وَنَزَلَّهُمْ ... مِن الجِنَانِ إِلىَ دَارِ الأَذَيَّاتِيْ
وصلى الله عَلَى محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
1 / 15
(فصل):
٤- الركن الرابع: الإيمان بالرسل:
الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن لله رسلًا أرسلهم لإِرشاد الخلق في معاشهم ومعادهم. اقتضت حكمة اللطيف الخبير أن لا يهمل خلقه، بل أرسل إليهم رسلًا مبشرين ومنذرين.
فيجب الإيمان بمن سمى الله منهم في كتابه على التفصيل، والإِيمان جملة بأن لله رسلًا غيرهم، وأنبياء لا يحصى عددهم إلا الله ولا يعلم أسماءهم إلا هو جل وعلا.
قال الله تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ وعَدَدُ المذكورين في القرآن خمسة وعشرون وهم: آدم، نوح، إدريس، صالح، إبراهيم، هود، لوط، يونس، إسماعيل، إسحق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، اليسع، ذو الكفل، داود، زكريا، سليمان، إلياس، يحيى، عيسى، محمد ﷺ.
اللَّهُمَّ أَتْمِمْ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ الوَافِيَةَ وَارْزُقْنَا الإخْلاصَ فِي أَعْمَالِنَا وَالصِّدْقَ في أَقْوَالِنَا وَعُدْ عَلَيْنَا بِإصْلاحِ قُلُوبِنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِديْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وَصَلى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِه.
(فَصْلٌ): وَمَوْضُوعُ الرِّسَالةِ: التَّبْشِيرُ والتَّنْذِير، قال تعالى: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ .
والحكمةُ في ذلك دعوةُ أُممهم إِلى عِبادةِ اللهِ وَحْدَهُ. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ وأفضل المرسلين أولو العزم، وهم المذكورون في سورة الشورى.
قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
1 / 16
وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ الآية، وقال: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ .
وأفضل أولياء الله أنبياؤه، وأفضل أنبيائه المرسلون، وأفضل المرسلين أولوا العزم، وأفضل أولي العزم محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا.
صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب لواء الحمد والحوض المورود، وشفيع الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة الذي بعثه الله بأفضل كتبه، وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس.
وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرق فيمن قبلهم وهم آخر الأمم خلقًا وأولهم بعثًا، ومن حين بعثه الله جعله الفاروق بين أوليائه وبين أعدائه.
فلا يكون وليًا لله إلا من آمن به وبما جاء وابتعه ظاهرًا وباطنًا، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أوليائه، بل من خالفه كان من أعدائه وأولياء الشيطان. أ. هـ. واللهُ أعْلَمْ، وَصَلى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمْ.
(فَصْلٌ)
مَا يَجُوز عَلَى الرُسُلِ وما يَجِبُ عَلَينا نَحْوهمْ
الواجب علينا نحو الرسل والأشياء التي تجوز عليهم والأدلة على صدقهم وما أيدهم الله به: يجب علينا تصديقهم وأنهم بلغوا جميع ما أرسلوا به على ما أمروا به وبينوه بيانًا واضحًا شافيًا كافيًا لا يسع أحدًا ممن أرسلوا إليه جهله ولا يحل خلافه.
1 / 17
قال الله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾، وقال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ الآية، ويجب علينا الإيمان بأنهم معصومون من الكبائر.
وأما الصغائر فقد تقع منهم، والكتاب والسنة يدلان على ذلك ولكن لا يقرون عليها، بل يوفقون للتوبة منها ويجب احترامهم وأن لا يفرق بينهم.
ومَن كَفَر بنبيٍّ مِن الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض.
فمن رد نبوته للحسد أو للعصبية أو للتشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًا وإنما هو عن غرض وهوى وعصبية. أ. هـ.
ويجب الاهتداء بهديهم والائتمار بأمرهم، والكف عن ما نهوا عنه، ويجب الاعتقاد أنهم أكمل الخلق علمًا وعملًا، وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا، وأن الله خصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، وبرأهم من كل خلق رذيل.
ويجب محبتهم وتعظيمهم، ويحرم الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم، ويجوز في حقهم شرعًا وعقلًا: النوم، والنكاح، والأكل، والشرب، والجلوس، والمشي، والضحك، وسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم العالية.
فهم بشر يَعْتَرِيهم ما يعتري سائر أفراده فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام وتمتد إليهم أيدي الظلمة وينالهم الاضطهاد، وقد يقتل الأنبياء، كما أخبر الله بذلك في كتابه بقوله سبحانه: ﴿وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ .
ومن الأدلة على ما ذكرنا أولًا من أنه يجوز في حقهم أشياء قوله تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي
1 / 18
الْأَسْوَاقِ﴾ وقال عز من قال: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾ .
وقال ﷺ: «لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء»، وكان ﷺ يمرض ويتألم ويشتكي، وكان يصيبه الحر والبرد، والجوع والعطش والغضب والضجر والتعب، ونحو ذلك مما لا نقص عليه فيه.
شِعْرًا:
وَأَهَوَى مِن الفِتْيَان كُلَّ مُوَحِّدٍ ... مُلازِم ذِكْرِ الله في كُلِّ لَحْظَةِ
لَهُ هِمَّةٌ تَعلوُ عَلَى كُلِّ هِمَّةٍ ... كَمَا قَدْ عَلاَ القُطْبُ النُّجُوم العَلِيَّةِ
اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ باسْمِكَ الأَعْظم الأَعَز الأَجَلَ الأَكرمِ الذي إذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وإذَا سُئِلْتَ بِهِ أعْطَيْتَ، ونَسْأَلُكَ بوجهِكَ الكَريم أكْرَمَ الوُجُوه وأَعَزَّ الوُجُوه، يَا مَنْ عَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ، وخَضَعَتْ لَهُ الرّقابُ، وخَشَعَتْ لَهُ الأَصْواتُ، يا ذَا الجَلال والإِكرام، يَا حَيُّ يا قَيُّوم يا مَالِكَ الملك يا مَن هُو على كل شيء قدير، وبكُلّ شيءٍ عليم، وبكل شيءٍ مُحِيط، يا مَن لا يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، نسأَلُكَ أن تَغْفِر سِيئاتِنَا وتُبَدْلْهَا بِحَسَنَات يا أكرم الأكرمين.
اللَّهُمَّ أنظِمْنَا في سِلْكِ عِبَادكَ المخلصينَ ووفقْنَا للقِيَامِ بأَرْكانِ دِينكِ القَويمِ وَنَجِّنَا مِن لَفَحَاتِ الجَحِيمِ وأَسْكِنَّا في جَناتِ النَّعيم، واغفرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
(فَصْلٌ): وَأَمَّا الأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِ الرُسُلِ فَكَثِيرة، وأَعْظَمُهَا شَهَادَةُ اللهِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَادِقون. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، وقال عز شأنه: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ .
1 / 19