وان اراد أنها مشهورة الوقوع، وليس ذلك بدليل على الإباحة، فهو كلام لا يفيد إلا مجرد التلبيس، وإيهام الباطل، وليس هكذا أخذ الله على العلماء، إنه لا يفعل هذا إلا منسلخ من الآيات، مخلد إلى الأرض، أرض الشهوات. وليس يحتمل الكلام من الإقناع غير هذا.
قال : وقد أسقطها كما أسقط غيرها من المظالم أثابه الله الحسنى
أقول: هذا الذي تقدمت الإشارة إليه، وهو صحيح في أن الخطايا مظالم أن ثبتت عليه، ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت.
قال: فلما أسقطها، كثر الضرر وعلا وارتفع، وصار الذي يقتل ويجرح تحت والي الجور، يرشيه ويقع التجاوز عنه.
أقول: ان أراد أن كثرة سبب الضرر عند إسقاطها، دخول الجاني تحت والي الجور وقبول الرشوة على إسقاط الجنايات، فصحيح. والعلة في كثرة الضرر حينئذ، جور الولاة، وقبول الرشا على الجنايات. وهذا الداء موجود مع إسقاط الخطايا، ومع وجودها أكثر، إذا لم ينه عنها، كان أقل نفرة منها، بل أخذ المال من الجاني يبرد غليلهم، ويشفي غيضهم، فكيف يتنقمون منه لله تعالى بعد ذلك؟ فإذا كوقت الجاني، ومنع الوالي من الجور وقبول الرشا، وأمر بإقامة الحدود، وإنصاف المظلوم، انحسم الداء واستقام الأمر وقل الضرر، كما قال تعالى: "ولكم في القصاص حياة"(¬1)، ولا مبدل لكلمات الله. وقد قالت العرب في جاهليتها: "القتل أنفى للقتل"(¬2)، ولم يقولوا: الدنانير والدراهم أنفى للقتل، ولا قال الله تعالى: ولكم في الدنانير والدراهم حياة.
صفحه ۹۴