الفصل الأول الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى "مظاهرها، ومميزاتها"
لقد بلغت الحركة العلمية لهذا القرن ذروتها، فعلى الرغم مما اكتنف هذا القرن من ظلام الحكم المملوكى ومآسيه، فإن همة العلماء لم تفتر، فقد كانوا موكولين بتراث العرب وتجميع ما تبقى لديهم من أصوله، يحفظونه من الضياع ويقونه شر الخطوب، وكوارث الحروب. . وظلوا حفاظًا على هذه الثروة الفكرية يسلمونها من جيل إلى جيل، حتى أتت إلينا غنية موفورة تقدم بعض العزاء على ما فقدناه من تراثنا العربى الذى ذهب به الغزو التترى، وأتت على كثير منه الحروب الصليبية.
ولم يقف جهد العلماء عند حد دراسة هذه الكتب وخدمتها، ولكنهم بذلوا جهدًا أصيلًا، وأضافوا ثروة جديدة إلى ثروة الأقدمين، حتى أصبح يطلق على هذا العصر "عصر المجتمع العلمى"، أو "عصر الفقه والفقهاء".
لقد كانت حلقات العلم تعقد بجامع عمرو بن العاص فى مختلف فروع الثقافة والمعرفة، ومما يدل على أن هذه الحلقات كانت كثيرة، ما رواه العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ (١) الحنفى من أنه "أدرك بجامع عمرو -قبل الوباء الذى حدث سنة ٧٤١ هـ (١٣٤٠ م) - بضعًا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه".
وكان بالجامع زوايا يدرس فيها الفقه، منها زاوية الإمام الشافعى، وكان يتولى
_________
(١) وهو فقيه لغوى، وأديب نحوى، توفى سنة ٧٧٦ هـ. له ترجمة فى حسن المحاضرة ١/ ٢٦٨، والدرر ٣/ ٤٩٩، وشذرات الذهب ٦/ ٢٤٨، ومعجم المؤلفين ١٠/ ١٤٤.
1 / 35