( ويجاب) بأن هذا الخلاف الظاهر بغير دليل وأيضا فهذا التخليد المذكور شامل للمشرك أيضا فيلزم أن يكون تخليده أيضا غير أبدي (لا يقال) إن اللفظ الواحدة تستعمل ويراد بها معنياها الحقيقيان إن كانت مشركا أو الحقيقي والمجازي إن كانت غير مشترك، أو المجازيان فنحمل الخلود هنا على الخلود الأبدي في حق المشرك، وعلى طول المكث في حق القاتل والزاني (لأنا نقول) لا نسلم جواز استعمال الكلمة في معنييها المذكورين مع إرادتهما معا في حال واحد، ولو سلمنا ذلك لقلنا إن ذلك الجواز ليس بلغوي والرب تعالى خاطبنا بلغتنا ولو سلمنا إنه لغوي لقلنا إن استعمالها في معنييها مجاز محتاج إلى قرينة ولا قرينة.
(فإن قيل) إن القرينة قوله تعالى في حق المشركين ((ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا))([11])
(قلنا) إن هذه الآية عامة للمعاصي مطلقا فلا تخص المشرك دون الفاسق، وقد اجتمعت الأمة قبل ظهور المخالف وبعده على الأخذ بهذه النصوص القرآنية مع ما يعضدها من الأحاديث النبوية التي بلغت في تعدد طرقها مبلغ التواتر، وإن لم يتواتر لفظها فالقدر الذي تواطت عليه متواتر وقد تلقنها الأمة كلها بالقبول، كحديث: ((من قتل نفسه بحديده))([12]) وحديث ((لا يجد ريح الجنة))([13]) ونحوهما لكن تأولوها بمن فعل ذلك مستحلا لفعله فيكون باستحلاله ما حرم الله مشركا، وهذا التأويل صارف لتلك الأحاديث عن نصوصها وزائد فيها ما لم يكن منها وليت شعري ما الذي حملهم على الدخول في هذا المضيق..؟
صفحه ۱۲۹