هذا؛ وقد شاع بين العرب أن خطهم مشتق من «المسند الحميري»، وأصحاب هذا الرأي، سواء من القدماء، أو ممن نحوا نحوهم في البحث، لا يستندون إلى دليل مادي، فليست هناك علاقة ظاهرة بين خطوط «حمير» في اليمن، وبين الخط العربي الذي انتهى إلينا. ويرجح أن يكون منشأ هذه النظرية أن اليمن التي فرضت في وقت ما سلطانها السياسي على بعض الأمم العربية الشمالية، في حكم دولتي «سبأ وحمير» في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، لا بد أن تكون قد فرضت على تلك الأمم ثقافتها كذلك. وقد يكون الباعث على هذا الرأي ما يعرفه العرب من أن مؤسسي الدولة «السباية» في اليمن أصلهم من إقليم «الجوف» في شمال نجد والحجاز، وهو الإقليم الذي كان الآشوريون يعرفونه باسم إقليم «عريبي»، وكانت تحكمه ملكات من بينهن ملكة سبأ.
4
لهذا لا يبعد أن تكون هذه العلاقات السياسية، وعلاقات الهجرة بين بلاد العرب الجنوبية وبلاد العرب الشمالية، سببا في الاعتقاد بأن العرب الشماليين اشتقوا خطهم من الخط «المسند الحميري» الجنوبي.
والمعتقد الآن أن النقوش الحميرية الجنوبية لم تجاوز في رحلتها نحو الشمال في أثر سلطان اليمن السياسي «بلاد مدين»، وأن ظهورها في تلك الأنحاء كان أثرا من آثار الاستعمار اليمني لديار اللحيانيين والثموديين والصفويين، لم يلبث أن زال بزوال ذلك السلطان. وقد نفت المقارنة التي عقدت بين النقوش الحميرية، وأقدم النقوش العربية وجود أية علاقة بينهما.
5
وعند ابن خلدون في كلام له يتصل بهذه النظرية الجنوبية
6
أن الخط بلغ في دولة «التبابعة» في اليمن مبلغا من الإحكام والإتقان والجودة، لما بلغت دولة التبابعة من الحضارة والترف، ويذهب إلى أن الخط انتقل من اليمن إلى الحيرة، لما كان بها من دولة «آل المنذر» نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب في العراق. ثم يذهب في زعمه إلى أبعد من ذلك فيقول: «ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش.» ويقع ابن خلدون بذلك في الخطأ الذي وقع فيه كثير من غيره، فهو يعتقد أن الخط الذي انتهى إلى قريش فكتبت به في الإسلام متصاعد إلى الحيرة من اليمن، ثم منحدر من الحيرة إلى الحجاز، وبمعنى آخر يرى أن الأصل في الخط العربي الحجازي خط التبابعة في اليمن وهو «المسند الحميري». وقد أثبت البحث العلمي إسراف هذه النظرية العربية في الخطأ. على أن «ابن خلدون» يعترف في كلامه عن الخط العربي أن الخط «المسند» خط منفصل الحروف، وليس الخط العربي الذي انتهى إلى قريش على هذه الصورة.
وثمة نظرية عربية أخرى يذكرها عدد من المؤرخين العرب، وعلى رأسهم البلاذري
7
صفحه نامشخص