ومن الشخصيات الأخرى التي ساهمت في تاريخ النحو العبري «يهوذا بن داود» الملقب «حيوج»، فقد اهتم هذا النحوي باللغة العربية اهتماما عظيما يرجع إليه الفضل فيما وصل إليه من نتائج خاصة، عندما عرض للأفعال ذات الحروف اللينة أو اللفيفة المقرونة، وقد مهدت مؤلفاته وما كتبه المتقدمون من عرب وعبريين إلى ظهور العلامة أبي الوليد مروان بن جناح في النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي، وقد عرض مروان هذا إلى ما ألفه «حيوج» ونقحه، كما أنه ألف كتابه المشهور «التنقيح»، وهو يقع في جزءين: الأول في القواعد واسمه «كتاب اللمع»، والثاني يشتمل على معجم لغوي أسماه «كتاب الأصول»، سلك في تأليفه الطريق الذي سلكه نحويو اللغة العربية. ويعد كتابه من أحسن الكتب في قواعد اللغة العبرية. وإذا استثنينا «مناحم» و«دونش» فإن علماء إسبانيا جميعا قد ألفوا باللغة العربية، لذلك بقيت مؤلفاتهم غير معروفة لدى يهود أوروبا القاطنين خارج البلاد الإسلامية، حتى ظهرت شخصية «أبراهام بن عزرا» المتوفى عام 1167م، فألف ثمانية كتب باللغة العبرية، عرف يهود العالم المسيحي عن طريقها مؤلفات أمثال حيوج ومن جاءوا بعده. وإلى جانب ابن عزرا قام يهودي إسباني آخر اسمه «يوسف بن إسحاق قمحي» في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، وخلفه ابناه موسى وداود قمحي، وإن كانا لم يأتيا بجديد فيما كتباه عن النحو العبري، إلا أنهما يعدان خير من ظهر في القرن الثالث عشر، كما أن كتبهما تعد أحسن مما ألف في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. أما القرن السادس عشر، فيعد الحد الفاصل في تاريخ النحو العبري، فقد كان ذلك العلم حتى ذلك الحين وقفا على اليهود لم ينازعهم فيه منازع حتى ظهرت حركة إحياء العلوم في أوروبا، وقربت بين اليهود والمسيحيين، فأقدم الأخيرون على دراسة اللغة العبرية للعلم والعلم فقط، ولفهم الكتاب المقدس فهما علميا صحيحا على ضوء حركة الإصلاح الديني التي أخذت تظهر في أوروبا في ذلك القرن. وظهرت بوادر هذا الاهتمام في مؤلفات أمثال «يوحنا رويشلين» الذي ألف كتابا في قواعد اللغة العبرية عام 1506م. وقد ترك هذا الكتاب الذي وضع باللاتينية أثرا بعيدا في الجامعات الألمانية، فأفسحت لهذه اللغة صدرها، وأولتها عنايتها. وبعد موت «رويشلين» عام 1522م، ظهر في ألمانيا عالم يهودي يدعى «إليا لفيتا»، وقد بذل مجهودا كبيرا في سبيل نشر هذه اللغة حتى توفي في عام 1549م.
مضى القرنان السادس عشر والسابع عشر، ولم يظهر فيهما من المؤلفات ما يستحق الذكر، على نقيض القرن الثامن عشر الذي ظهر فيه اتجاه جديد، وهو دراسة اللغة العبرية دراسة مقارنة، وقد حملت لواء تلك النهضة، المدرسة الهولندية، وعلى رأسها «ألبرت شولتنز» المتوفى عام 1750م، و«شرودر» الذي فارق الحياة في عام 1798م. أما العبرية كما تدرس اليوم في الجامعات العالمية، فإنها تدين في تطورها للمستشرق الألماني «وليم جيزنيوس» «3 فبراير 1786-23 أكتوبر 1842م»، فقد نشر في عام 1813م كتابه المشهور في قواعدها، ولا أدل على النجاح الذي صادفه من أن العلماء الألمان أعادوا طبعه تسعا وعشرين مرة، وفي آخر طبعة حاول إخراجها الأستاذ «برجشتراسر» عام 1918م.
وعدا هذا العالم المسيحي كان هناك في ألمانيا زعماء هذه المادة مثل «أفالده»، و«الهوزن»، و«شتاده»، و«كاله»، و«بروكلمان»، كلهم من المسيحيين، ويعد «كاله» زعيم علماء النحو العبري في قرننا هذا. (5) اللغات السامية والكتابة العربية
عند الباحث «إبراهيم جمعه» أن المصادر العربية الأدبية تكاد تجمع على أن الخط الذي كتب به العرب «توقيفي»، علمه آدم عليه السلام فكتب به الكتب المختلفة، فلما أظل الأرض الغرق، ثم انجاب عنها الماء، أصاب كل قوم كتابهم، وكان الكتاب العربي من نصيب إسماعيل عليه السلام.
1
وهذا الرأي لا يقوم على أساس من العلم، أو سند من التاريخ الصحيح، قال به العرب وأشاعوه لتأييد النظرية التي تذهب إلى أن إسماعيل أبو العرب المستعربة التي منها قريش، أول من تكلم العربية، تعلمها من العرب المتعربة، ثم تعلمها منه بنوه.
2
ولقد فطن إلى ما في هذا الرأي من غثاثة المؤرخ الاجتماعي «ابن خلدون»، الذي يقرر «في المقدمة» أن الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية ، فهو على هذا ضرورة اجتماعية اصطنعها الإنسان ورمز بها للكلمات المسموعة، وهو - على ما هو معروف - المرتبة الثانية من مراتب الدلالة اللغوية، تابع في نموه وتطوره - شأن كثير من الصناعات المعاشية - لتقدم العمران ... وهو لذلك ينعدم مع البداوة، ويكتسب بالتحضر، لا يصيبه البدو عادة إلا مقيمين على تخوم المدنية.
والمعروف أن العرب اشتغلوا من قديم الزمن بنقل التجارة عبر شبه الجزيرة، بين اليمن والبطراء، وجنوب الشام، وأنه كانت لقريش بوجه خاص علاقات تجارية مع أهل الشمال وأهل الجنوب، مع الأنباط والغساسنة في تخوم الشام، ومع المناذرة واللخميين في إقليم الحيرة، ومع العرب الجنوبيين في اليمن، ويشير القرآن إلى رحلتي الشتاء والصيف إلى تلك الأنحاء، وكانت تقوم بهما قريش بقصد التجارة والكسب في الجاهلية، فأفادت منهما شيئا غير يسير من أسباب الحضارة ومظاهر العمران.
3
صفحه نامشخص