فنقولُ: عِلمُ الأوَّلِ بوجودِ كُلِّ الأنواعِ والأجناسِ التي لا نهايةَ لها عينُ عِلمِهِ بنفسِهِ أمْ غيره، فإنْ قلتُم: إنَّهُ غيرُهُ فقَد أثبتُّم كثرةً ونقضتُم القاعدةَ، وإنْ قلتُم: إنَّهُ عينه لم يتميَّزوا عمن يَدَّعي أنَّ عِلمَ الإنسانِ بغيرِهِ عينُ عِلمِهِ بنفسِهِ وعينُ ذاتِه، ومَنْ قالَ ذلكَ سفيهٌ في عقلِه، وقيلَ: حَدُّ الشَّيءِ الواحدِ أنْ يستحيلَ في الوهمِ الجمعُ فيهِ بينَ النَّفيِ والإثبات، فالعِلمُ الواحدُ بالشَّيءِ لَمّا كانَ واحدًا استحالَ أنْ يُتوهَّمَ في حالةٍ واحدةٍ موجودًا أو معدومًا، ولَمّا لم يستحلْ في الوهمِ يقدَّرُ علمُ الإنسانِ بنفسِهِ دونَ علمِهِ بغيرِه، قيلَ: إنَّ عِلمَهُ بغيرِهِ غيرُ علمِهِ بنفسِهِ؛ إذْ لو كانَ هوَ هوَ لكانَ نفيُهُ نفيًا لهُ وإثباتُهُ إثباتًا لهُ؛ إذْ يستحيلُ أنْ يكونَ زيدٌ موجودًا وزيدٌ معدومًا، أعني: هوَ بعينِهِ في حالةٍ واحدةٍ، ولا يستحيلُ مثلُ ذلكَ في العِلمِ بالعينِ مَع علمِهِ بنفسِه، وكذلكَ في عِلمِ الأوَّل بذاتِهِ مع علمِهِ بغيرِهِ؛ إذْ يمكنُ أنْ يُتوهَّمَ وجودُ أحدِهما دونَ الآخر، وهُما إذنْ شيئان، ولا يمكنُ أنْ يُتوهَّمَ وجودُ ذاتِهِ دونَ وجودِ ذاتِه، فلو كانَ الكُلُّ كذلكَ لكانَ هوَ التَّوهُّم مُحالًا، فكُلُّ مَنِ اعترفَ مِنَ الفلاسفةِ بأنَّ الأوَّلَ يعرفُ غيرَ ذاتِهِ فقَد أثبتَ كثرةً لا محالةَ، فإنْ قيلَ: هوَ لا يعلمُ الغيرَ بالقصدِ الأوَّلِ بَلْ يعلمُ ذاتَهُ مبدأ الكُلِّ فيلزمُهُ العِلمُ بالكُلِّ بالقَصدِ الثّاني، إذْ لا يمكنُ أنْ يعلمَ ذاتَهُ إلّا مبدأً، فإنَّهُ حقيقةُ ذاتِه، ولا يمكنُ أنْ يعلمَ ذاتَهُ مبدأ لغيرِهِ إلّا ويدخلُ الغيرُ في علمِهِ بطريقِ الضِّمنِ واللُّزوم، ولا يبعدُ أنْ يكونَ لذاتِهِ لوازمُ، وذلكَ لا يوجِبُ كثرةً في ماهيّةِ الذّات، وإنَّما يمتنعُ أنْ يكونَ في نفسِ الذّاتِ كثرةً.
قالَ: والجوابُ مِنْ وجوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ قولَكُم: إنَّهُ يعلمُ ذاتَهُ مبدأ تحكم، بَل ينبغي أنْ يعلمَ وجودَ
1 / 74