كانَ تابعًا لذاتِه، وكانَ سببًا فيه، وكانَ معلولًا، فكيفَ يكونُ واجبُ الوجودِ هذا هوَ الأوَّلَ مَع تغييرِ عبارةٍ؟
فنقولُ: إنْ عَنيتُم بكونهِ تابعًا للذّاتِ وكونِ الذَّاتِ سببًا فيهِ أنَّ الذّاتَ عِلّةٌ فاعليّة، وأنَّها مفعولةٌ للذّات، فليسَ كذلكَ، فإنَّ ذلكَ ليسَ يَلزَمُ في عِلمِنا بالإضافةِ إلى ذواتِنا، إذ ذواتنا ليستْ بعِلّةٍ فاعليّةٍ لعِلمِنا، وإنْ عَنيتُم أنَّ الذّاتَ محلٌّ وأنَّ الصِّفةَ لا تقومُ بنفسِها في غيرِ محلٍّ، فهذا مسلَّم، فلَم يَمتنِعْ هذا، فلان يعبَّر عنهُ بالتَّابعِ أو العارضِ أو المعلولِ أو ما أرادَهُ المعبِّرُ لم يتغيَّرِ المعنى إذا لم يمكِن المعنى سوى أنْ يكونَ قائمًا بالذّاتِ قيامَ الصِّفةِ بالموصوفات، ولم يستحِلْ أنْ يكونَ قائمًا في ذاتٍ، وهوَ مع ذلكَ قديمٌ لا فاعلٌ، وكُلُّ أدلَّتِهم تهويل بتقبيحِ العبارةِ بتسميتهِ ممكِنًا وجائزًا وتابعًا ولازمًا ومعلولًا، وأنَّ ذلكَ مستنكَرٌ، فيُقالُ: إنْ أريدَ بذلكَ أنَّ لهُ فاعلًا فليسَ كذلكَ، وإنْ لم يردْ بهِ إلّا أنَّهُ لا فاعلَ لهُ ولكِنْ لهُ محلٌّ هوَ قائمٌ فيهِ فليعبَّرْ عَنْ هذا المعنى بأيِّ عبارةٍ أُريدَ، فلا استحالةَ فيه، ورُبَّما هوَ لو بتنقيحِ العبارةِ مِنْ وجهٍ آخرَ. فقالُوا: هذا يؤدِّي إلى أنْ يكونَ الأوَّلُ محتاجًا إلى هذهِ الصِّفات، فلا يكونُ غنيًّا مطلَقًا، إذ الغني المطلَقُ مَنْ لا يحتاجُ إلى غيرِ ذاتِه، وهذا كلامٌ وعظيٌّ في غايةِ الرَّكاكة، فإنَّ صفاتِ الكمالِ لا تُنافي ذاتَ الكاملِ حتَّى يُقالَ: إنَّهُ يحتاجُ إلى غيرِه، فإذا لم يزلْ ولا يزالُ كاملًا بالعِلمِ والقُدرةِ والحياةِ فكيفَ يكونُ محتاجًا؟ أو كيفَ يجوزُ أنْ يكونَ تغيرَ عَنْ ملازمةِ الكمالِ بالحاجة، وهوَ كقولِ القائلِ: الكاملُ مَنْ لا يحتاجُ إلى كمالٍ، فالمحتاجُ إلى وجودِ صفاتِ الكمالِ لذاتِهِ ناقصٌ، فيُقالُ: لا معنى لكونهِ كاملًا إلَّا وجودُ الكمالِ لذاتِه، فكذلكَ لا معنى لكونه غنيًّا إلَّا وجودُ
1 / 72